للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفرق بينهما؟ فالظاهر أن كلتيهما غير مجزئتين، فتبصر، والله تعالى أعلم.

(إِذَا أَحْدَثَ) أي وُجِد منه الحدث، فهو من الحدوث، وهو وجود شيء لم يكن، يقال: أحدث: أي وُجد منه الحدث، أو قام به الحدث، والمراد به: الخارج من أحد السبيلين، ووقع في رواية البخاريّ تفسير أبي هريرة له، ولفظه: "قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُسَاءٌ، أو ضُرَاط"، وإنما فسره أبو هريرة - رضي الله عنه - بأخص مما ذُكر؛ تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختَلَف فيها بين العلماء، كمس الذكر، ولمس المرأة، والقيء ملء الفم، والحجامة، فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها، وعليه مشى البخاريّ رحمه الله حيث يقول: "باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، من القبل والدبر"، ثم أورد آثارًا تدلّ على هذا.

وقيل: إن أبا هريرة - رضي الله عنه - اقتصر في الجواب على ما ذُكِر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بُعْدٌ.

واستُدِلّ بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث، سواء كان خروجه اختياريًّا أم اضطراريًّا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة؛ لأن القبول انْتَفَى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها، فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، قاله في "الفتح" (١).

وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: الحدث يُطلق بإزاء معانٍ ثلاثة:

[أحدها]: الخارج المخصوص الذي يذكره الفقهاء في "باب نواقض الوضوء"، ويقولون: الأحداث كذا وكذا.

[الثاني]: نفس خروج ذلك الخارج.

[الثالث]: المنع المرتَّب على ذلك الخروج، وبهذا المعنى يصحّ قولنا: رَفَعتُ الحدث، ونويتُ رفع الحدث، فإن كلّ واحد من الخارج والخروج قد وقع، وما وقع يستحيل رفعه، بمعنى أن لا يكون واقعًا، وأما المنع المرتَّب على الخروج، فإن الشارع حَكَم به، ومَدَّ غايته إلى استعمال المكلَّف الظهُورَ


(١) ١/ ٢٨٣ "كتاب الوضوء" رقم (١٣٥).