فباستعماله يرتفع المنع، فيصحّ قولنا: رَفَعتُ الحدثَ، وارتفع الحدث؛ أي ارتفع المنع الذي كان ممدودًا إلى استعمال المطهِّر.
وبهذا التحقيق يَقْوى قولُ من يرى أن التيمّم يرفع الحدث؛ لأنا لَمّا بيّنّا أن المرتفع هو المنع من الأمور المخصوصة، وذلك المنع مرتفعٌ بالتيمّم، فالتيمّم يرفع الحدث، غاية ما في الباب أن رفعه للحدث مخصوص بوقتٍ ما، أو بحالةٍ ما، وهي عدم الماء، وليس ذلك بِبِدْع، فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محالّها.
قال الجامع عفا الله عنه: القول بأن التيمّم رافع للحدث هو الأرجح، وسيأتي تحقيق ذلك في محلّه - إن شاء الله تعالى -.
قال: وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبًا لكلّ صلاة على ما حكوه، ولا شكّ أنه كان رافعًا للحدث في وقت مخصوص، وهو وقت الصلاة، ولم يلزم من انتهائه بانتهاء وقت الصلاة في ذلك الزمن أن لا يكون رافعًا للحدث، ثم نُسخ ذلك الحكم عند الأكثرين، ونُقل عن بعضهم أنه مستمرّ، ولا شكّ أنه لا يقول: إن الوضوء لا يرفع الحدث.
نعم هنا معنى رابعٌ يدّعيه كثير من الفقهاء، وهو أن الحدث وصفٌ حُكميّ، مقدَّرٌ قيامه بالأعضاء على مقتضى الأوصاف الحسّيّة، ويُنزلون ذلك الحكميّ منزلة الحسّيّ في قيامه بالأعضاء، فما نقول فيه: إنه يرفع الحدث، كالوضوء والغسل، يُزيل ذلك الأمر الحكميّ، فيزول المنع المرتّب على ذلك الأمر المقدَّر الحكميّ، وما نقول بأنه لا يرفع الحدث، فذلك المعنى المقدَّر القائم بالأعضاء حكمًا باقٍ لم يزل، والمنع المرتَّب عليه زائلٌ، فبهذا الاعتبار نقول: إن التيمّم لا يرفع الحدث، بمعنى أنه لم يزل ذلك الوصف الحكميّ المقدَّر، وإن كان المنع زائلًا.
وأقرب ما يُذكر فيه أن الماء المستعمل قد انتقل إليه المانع، كما يقال، والمسألة متنازع فيها، فقد قال جماعة بطهوريّة الماء المستعمل، ولو قيل: بعدم طهوريّته، أو بنجاسته لم يلزم منه انتقال مانع إليه، فلا يتمّ الدليل، والله أعلم (١).