الرأس هو الصواب؛ للأحاديث الكثيرة الصحيحة بذلك، كحديث عثمان بن عفان، وحديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنهما -، وكلاهما في "الصحيحين"، وفي بعض رواياتهما التصريح بأنه مسح مرّة واحدةً، وأما الأحاديث الواردة في التثليث فكلها معلولة، لا تقاوم هذه الأحاديث الصحيحة. قال العلامة الشوكانيّ رحمه الله: والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم التمسّك بها لما فيها من الزيادة، فالوقوف على ما صحّ من الأحاديث الثابتة في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عثمان، وعبد الله بن زيد - رضي الله عنهما -، وغيرهما هو المتعيّن، لا سيّما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة.
ومما يؤيّد ذلك حديث:"من زاد على هذا فقد أساء وظلم"، صححه ابن خزيمة وغيره، فإنه قاضٍ بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذه المقالة، كيف، وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح مرّة واحدةً، ثم قال:"من زاد. . إلخ".
قال الحافظ رحمه الله: ويُحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح إن صحّت على إرادة الاستيعاب بالمسح، لا أنها مسحات مستقلّة لجميع الرأس؛ جمعًا بين الأدلة. انتهى (١).
والحاصل أن مسح الرأس مرّة واحدةً هو الحقّ؛ لما ذكرناه من الأدلّة، وقد أشبعت الكلام في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية عشرة): في اختلاف أهل العلم في حكم أخذ الماء الجديد في مسح الرأس:
قال ابن المنذر رحمه الله: قد اختلف أهل العلم في الرجل يمسح رأسه بما يَفْضُل في يده، من بلل الماء عن فضل الذراع، فقالت طائفة: المسح به جائزٌ، هذا قول الحسن، وعروة بن الزبير، ويجزئ ذلك عند الأوزاعيّ، ويُشبِه ذلك قول مالك؛ لأنه قال: لا أحب ذلك.
وقالت طائفة: لا يجزئ أن يمسح رأسه بفضل بلل ذراعيه؛ لأنه ماء