للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: اختَلَف أهل العلم في عدد مسح الرأس، فقالت طائفة: يمسح برأسه مرةً، هذا قول ابن عمر - رضي الله عنهما -، وبه قال طلحة بن مصرّف، والْحَكَم، وحماد، والنخعيّ، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسالم بن عبد الله، والحسن البصريّ، ومجاهد، وأحمد، وأبو ثور.

وكان الشافعيّ يقول: يجزي مسحه مرةً، ويستحب أن يمسح ثلاثًا، وقال أصحاب الرأي: يمسح برأسه مرة واحدة وأذنيه، وقد روينا عن محمد بن سيرين أنه مسح رأسه مسحتين، وفيه قول ثالث، وهو أن يمسح برأسه ثلاثًا، رُوي هذا القول عن أنس بن مالك، وبه قال عطاء، وسعيد بن جبير، وزاذان، وميسرة، وقد روينا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح برأسه مرتين، ورُوي عنه غير ذلك، والثابت عنه أنه مسح برأسه، لم يذكر أكثر من مرة واحدة. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله.

وقال ابن رُشد رحمه الله: اختلفوا في تكرير مسح الرأس: هل هو فضيلة، أم ليس في تكريره فضيلة؛ فذهب الشافعيّ إلى أنه من توضأ ثلاثًا ثلاثًا يمسح رأسه أيضًا ثلاثًا، وأكثر الفقهاء يرون أن المسح لا فضيلة في تكريره.

وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم في قبول الزيادة الواردة في الحديث الواحد، إذا أتت من طريق واحد، ولم يروها الأكثر، وذلك أن أكثر الأحاديث التي رُوي فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - توضّأ ثلاثًا ثلاثًا من حديث عثمان وغيره لم يُنقل فيها إلا أنه مسح واحدة فقط، وفي بعض الروايات عن عثمان - رضي الله عنه - في صفة وضوئه أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح برأسه ثلاثًا، وعَضدَ الشافعيّ وجوب قبول هذه الزيادة بظاهر عموم ما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وذلك أن المفهوم من عموم هذا اللفظ، وإن كان من لفظ الصحابي هو حمله على سائر أعضاء الوضوء، إلا أن هذه الزيادة ليست في "الصحيحين"، فإن صحت يجب المصير إليها؛ لأن من سكت عن شيء ليس هو بحجة على من ذكره. انتهى كلام ابن رُشد رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح أن القول بعدم مشروعيّة تكرار مسح


(١) "بداية المجتهد" ١/ ١٠٣.