{تُنْبُتُ} بضم التاء وكسر الباء، من أنبت، ومرةً تدلّ على التبعيض، مثل قول القائل: أخذت بثوبه، وبعضده، ولا معنى لإنكار هذا في كلام العرب، أعني كون الباء مُبَعّضةً، وهو قول الكوفيين من النحويين.
فمن رآها زائدة أوجب مسح الرأس كله، ومعنى الزائدة ها هنا كونها مؤكِّدةً، ومن رآها مُبَعِّضة أوجب مسح بعضه.
وقد احتَجّ مَن رَجَّح هذا المفهوم بحديث المغيرة - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة"، أخرجه مسلم.
وإن سلمنا أن الباء زائدة بقي ها هنا أيضًا احتمال آخر، وهو: هل الواجب الأخذ بأوائل الأسماء، أو بأواخرها؟ انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح عندي مذهب من أوجب استيعاب الرأس بالمسح؛ لثبوته من فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وفعلُهُ بيان لمجمل الآية، والراجح أنها من قبيل المجمل، كما قال به بعض أهل العلم، وعزاه الشوكانيّ إلى ابن الحاجب، والزركشيّ، والزمخشريّ، ولم يصحّ في حديث واحد - كما قال ابن القيّم رحمه الله - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اقتصر على مسح بعض الرأس البتّة، ولكن كان إذا مسح بناصيته أكمل على العمامة، وأما حديث أنس - رضي الله عنه - عند أبي داود، "أنه - صلى الله عليه وسلم - أدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدَّم رأسه، ولم ينقض العمامة"، فمقصوده أنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسّ الشعر كلّه، ولم يَنف التكميل على العمامة، وقد أثبته حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عند مسلم، وغيره بلفظ:"أنه - صلى الله عليه وسلم - توضّأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة"، على أن حديث أنس - رضي الله عنه - في إسناده نظرٌ - كما قال الحافظ رحمه الله - فلا يَقْوَى لِمُعارضة حديث المغيرة - رضي الله عنه -.
والحاصل أن الأرجح وجوب استيعاب الرأس بالمسح، وقد أشبعت الكلام في هذا في "شرح النسائيّ"، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الحادية عشرة): في اختلاف أهل العلم في حكم تكرار مسح الرأس: