"مع"، فدخول المرفق ظاهر، وإنما لم يدخل العضد للإجماع، وإن كانت للغاية، فالحدّ يدخل إذا كان التحديد شاملًا للحدّ والمحدود، كقولك: قطعت أصابعه من الخنصر إلى المسبِّحة، أو: بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فإن الإصبعين والشجرتين داخلتان في القطع والبيع بلا شكّ؛ لشمول اللفظ، ويكون المراد بالتحديد في مثل هذا إخراجَ ما وراء الحدّ مع بقاء الحدّ داخلًا، فكذا هنا اسم اليد شاملٌ من أطراف الأصابع إلى الإبط، ففائدة التحديد بالمرافق إخراج ما فوق المرفق مع بقاء المرفق.
ثم ذكر النوويّ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدّم، وقال: وفعله - صلى الله عليه وسلم - بيان للوضوء المأمور به، ولم يُنقل تركه ذلك. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الأرجح القول بوجوب دخول المرفقين في الغسل؛ لأن الراجح أن الآية مجملة، وفعله - صلى الله عليه وسلم - بيان لها، فيكون ما فعله واجبًا إلا لدليل، كعدم وجوب التثليث، ونحوه، وقد أشبعت الكلام في هذا في شرح النسائيّ، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): في اختلاف أهل العلم في مسح الرأس:
قال العلّامة ابن رُشد رحمه الله: اتفق العلماء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء، واختلفوا في القدر المجزئ منه:
فذهب مالك إلى أن الواجب مسحه كله، وذهب الشافعيّ، وبعض أصحاب مالك، وأبو حنيفة إلى أن مسح بعضه هو الفرض، ومن أصحاب مالك من حَدّ هذا البعض بالثلث، ومنهم من حدّه بالثلثين، وأما أبو حنيفة فحدّه بالربع، وحدّ مع هذا القدر من اليد الذي يكون به المسح، فقال: إن مسحه بأقل من ثلاثة أصابع لم يُجزه، وأما الشافعيّ فلم يَحُدّ في الماسح، ولا في الممسوخ حدًّا.
وأصل هذا الاختلاف الاشتراك الذي في الباء في كلام العرب، وذلك أنها مرّةً تكون زائدة، مثل قوله تعالى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} على قراءة من قرأ: