اسم "اليد" في كلام العرب، وذلك أن حرف "إلى" مرّةً يدل في كلام العرب على الغاية، ومرةً يكون بمعنى "مع"، و"اليد" أيضًا في كلام العرب تطلق على ثلاثة معان: على الكف فقط، وعلى الكف والذراع، وعلى الكف والذراع والعضد، فمن جَعَل "إلى" بمعنى "مع"، أو فَهِمَ من اليد مجموع الثلاثة الأعضاء، أوجب دخولها في الغسل، ومَن فَهِم من "إلى" الغاية، ومن "اليد" ما دون المرفق، ولم يكن الحدّ عنده داخلًا في المحدود لم يدخلهما في الغسل.
وأخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى كذلك، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل اليسرى كذلك، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ.
وهو حجة لقول من أوجب إدخالها في الغسل؛ لأنه إذا تردد اللفظ بين المعنيين على السواء، وجب أن لا يصار إلى أحد المعنيين إلا بدليل، وإن كانت "إلى" في كلام العرب أظهر في معنى الغاية منها في معنى "مع"، وكذلك اسم "اليد" أظهر فيما دون العضد منه فيما فوق العضد، فقول من لم يدخلها من جهة الدلالة اللفظية أرجح، وقول من أدخلها من جهة هذا الأثر أبين، إلا أن يُحْمَل هذا الأثر على الندب، والمسألة محتملة كما ترى.
وقد قال قوم: إن الغاية إذا كانت من جنس ذي الغاية دخلت فيه، وإن لم تكن من جنسه لم تدخل فيه. انتهى كلام ابن رُشد رحمه الله (١).
وقال النوويّ رحمه الله: وجوب غسل المرفقين مذهب العلماء كافّةً، إلا ما حكاه أصحابنا عن زُفر، وأبي بكر بن داود أنهما قالا: لا يجب غسل المرفقين والكعبين، واحتجّ الجمهور بقوله تعالى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الآية، فذكر ابن قتيبة، والأزهريّ، وآخرون من أهل اللغة والفقهاء في كيفية الاستدلال بالآية كلامًا مختصرُهُ أن جماعةً من أهل اللغة، منهم أبو العبّاس ثعلب، وآخرون قالوا:"إلى" بمعنى "مع"، وقال أبو العبّاس المبرّد، وأبو إسحاق الزجّاج، وآخرون:"إلى" للغاية، وهذا هو الأصحّ والأشهر، فإن كانت بمعنى