وفي الآية قراءتان مشهورتان: النصب والخفض، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه، وقراءة النصب نصٌّ في وجوب الغسل، لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحدًا، كقوله:
فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
وليس معنى مَسَحْتُ برأسي ورجلي، هو معنى مسحت رأسي ورجلي، بل ذكر الباء يفيد مَعنًى زائدًا على مجرد المسح، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس، فتعين العطف على قوله:{وَأَيْدِيَكُمْ} مهو، فالسنة المتواترة تقضي على ما يفهمه بعض األناس من ظاهر القرآن، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بَيَّن للناس لفظ القرآن ومعناه، كما قال أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ: حدّثنا الذين كانوا يُقرِئونا القرآن: عثمانُ بن عَفّان، وعبدُ الله بن مسعود، وغيرُهما أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معناها.
وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيهٌ على قلة الصبِّ في الرجلين، فإن السَّرَفَ يُعتاد فيهما كثيرًا، والمسألة معروفة، والكلام عليها في كتب الفروع. انتهى كلام ابن أبي العزّ رحمه الله (١)، وهو كلام بحثٌ نفيسٌ أيضًا.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن الحقّ، والصواب هو مذهب الجمهور القائلين بأن فرض الرجلين لمن لم يلبس الخفّين الغَسْلُ، ولا يُجزئ المسح، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ينبغي أن أذكر بعض ما اختلفوا فيه من مسائل الوضوء، وإن لم يكن مذكورًا في هذا الحديث، تكميلًا للفوائد، ونشرًا للعائدة، فأقول:
(المسألة السادسة عشرة): في اختلاف أهل العلم في وجوب النيّة في الوضوء:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله في كتابه "الأوسط"(١/ ٣٦٨): قد اختَلَف أهل العلم فيمن توضأ، وهو لا ينوي بوضوئه الطهارة، فقالت طائفة: لا يُجزيه، كذلك قال الشافعيّ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك،