وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وليس بين الوضوء والتيمم عندهم في ذلك فرق.
وفَرَّقَت طائفة بين الوضوء والتيمم، فقالت: يجزي الوضوء بغير نية، ولا يجزي التيمم إلا بنية، هذا قول سفيان الثوريّ، وأصحاب الرأي، قال الثوريّ: إذا عَلَّمتَ رجلًا التيممَ، فلا يجزيك أن تصلي بذلك التيمم، إلا أن تكون نويت أنك تيَمَّمُ لنفسك، فإذا عَلَّمته الوضوء أجزأك.
وفيه قول ثالثٌ، حُكِي عن الأوزاعيّ، أنه قال في الرجل يُعَلِّم الرجل التيمم، وهو لا ينوي أن يتيمم لنفسه، إنما علّمه، ثم حضرت الصلاة، قال: يصلي على تيممه، كما أنه لو توضأ وهو لا ينوي الصلاةَ كان طاهرًا، هذه حكاية أبي المغيرة عنه، وبه قال الحسن بن صالح، وحَكَى الوليد بن مسلم عن الأوزاعيّ أنه قال: لا يجزيه في التيمم، ويجزيه في الوضوء، وحَكَى الوليد مثله عن مالك، والثوريّ.
قال ابن المنذر رحمه الله: أما حكايته عن الثوريّ فكما حَكَى؛ لموافقته حكاية الأشجعي، والْعَدَنيّ، وعبد الرزاق، والفاريابيّ عنه، وأما ما حكاه عن مالك، فما رواه أصحاب مالك عنه: ابنُ وهب، وابنُ القاسم أصحّ، والله أعلم.
قال ابن المنذر رحمه الله: دَلّ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية" لَمّا عَمّ جميع الأعمال، ولم يَخُصّ منها شيئًا أن ذلك في الفرائض والنوافل، ثم بَيَّن تصرف الإرادات، فقال:"من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"، فغير جائزٍ أن يكون مؤدِّيًا إلى الله ما فَرَضَ عليه مَن دَخَل الماء، يُعَلِّم آخر السِّبَاحة بدرهم أَخَذه، أو مريدٌ للتبريد، أو مريدٌ لتأدية فرض؛ لأنه لم يُرِد الله قط بعمله، قال الله:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} الآية [الشورى: ٢٠].
قال رحمه الله: وإذا توضأ طهارةً مِن حَدَثٍ، أو طهارةً لصلاة فريضة أو نافلة، أو قراءةٍ، أو صلاةٍ على جنازة، فله أن يصلي به المكتوبة في قول الشافعيّ، وأبي عبيد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم من أصحابنا، وكذلك نقول. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله.