تمندل، وكَرِه ذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإبراهيم النخعيّ، ومجاهد، وابن المسيب، وأبو العالية، واختُلِف فيه عن سعيد بن جبير، ورَوينا عن ابن عباس أنه كَرِه أن يمسح بالمنديل من الوضوء، ولم يكرهه إذا اغتسل من الجنابة، وكان سفيان يُرَخِّص فيهما جميعًا: الوضوء والاغتسال.
قال ابن المنذر رحمه الله: أعلى شيء رُوي في هذا الباب خبران: خبر يدلّ على إباحة أخذ الثوب ينشف به، والخبر الآخر يدلّ على ترك ذلك، فأما الخبر الأول، فحدثونا عن إسحاق بن راهويه، ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زُرَارة، عن محمد بن عمرو بن شُرَحبيل، عن قيس بن سعد، قال: أتانا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فوضعنا له غُسلًا، فاغتسل، ثم أتيناه بِمِلْحَفة وَرْسِيّة، فالتحف بها، فكاني أنظر إلى أثر الْوَرْس على عُكَنه (١).
والخبر الثاني: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطارديّ، ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن سالم، عن كريب، عن ابن عباس، عن ميمونة، قالت:"وَضعت للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - غُسلًا، فلما فرغ ناولته منديلًا، فلم يأخذه، وجعل ينفُض بيديه"، متّفقٌ عليه.
قال ابن المنذر رحمه الله: وهذا الخبر لا يوجب حَظْر ذلك، ولا المنع منه؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنه، مع أنه قد كان يَدَع الشيء المباح؛ لئلا يشقّ على أمته، من ذلك قوله لبني عبد المطلب:"لولا أن تُغْلَبوا على سقايتكم لنزعت معكم"، ودخل الكعبة، وقال بعد دخوله:"لوددت أني لم أكن دخلتها، أخشى أن أكون أتعبت أمتي".
وحديثُ قيس بن سعد يدلّ على إباحة ذلك، فأخذ المنديل مباح بعد الوضوء والاغتسال. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، إلا استدلاله بحديث قيس - رضي الله عنه -؛ لأنه ضعيف؛ لضعف محمد بن أبي ليلى، فالأولى
(١) جمع عُكْنة بالضمّ: الطيّ في البطن من السمن. انتهى "القاموس"، والحديث ضعيف، أخرجه ابن ماجه برقم (٤٥٩ و ٣٥٩٤)، وفي إسناده محمد بن أبي ليلى ضعيف الحفظ.