فسألته، فقال: سعد بن إبراهيم حدّثني، فقال لي مالك بن أنس: سعدٌ بالمدينة لم يحجّ العام، قال شعبة: فرحلت إلى المدينة، فلقيت سعد بن إبراهيم، فسألته، فقال: الحديث مِن عندكم، زِيَاد بن مِخْرَاق حدّثني، قال شعبة: فلما ذكر زيادًا قلتُ: أيُّ شيء هذا الحديث؟ بينما هو كوفيّ إذ صار مدنيًّا، إذ صار بصريًّا، قال: فرحلت إلى البصرة، فلقيت زياد بن مِخراق، فسألته، فقال: ليس هو من بَابَتِك، قلت: حدِّثني به، قال: لا تُرِدْهُ، قلت: حدِّثني به، قال: حدَّثني شهر بن حوشب، عن أبي رَيحانة، عن عقبة بن عامر، عن النبيّ - صلي الله عليه وسلم -، قال شعبة: فلما ذَكَر شهر بن حوشب، قلت: دُمِّر عليّ هذا الحديث، لو صَحَّ لي مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان أحبّ إليّ من أهلي ومالي والناس أجمعين. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الحديث صحيح من الوجه الذي أخرجه المصنّف في "صحيحه" هنا، ولا يضرّه ما وقع في هذه القصّة، من العلّة، وإنما أوردته هنا؛ لما فيه من القصّة التي تُنَشِّط طلاب العلم، وتحثّهم على الرحلة في طلب العلم، وتَحَمّل المشاقّ، وذلك لمعرفتهم مَدَى جُهد المحدّثين في طلب الحديث، فإنهم كانوا يرحلون في طلب حديث واحد إلى البلدان النائية مع ما يلقَونه في خلال سفرهم من الكدّ والتعب والمشاقّ الكثيرة.
وقد عقد الإمام البخاريّ في "صحيحه" بابًا، فقال:"باب الخروج في طلب العلم"، ورَحَل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أُنيس في حديث واحد، ثم أخرج بسنده قصة خروج موسىي - عليه السلام - في طلب الخضر.
وألّف الخطيب البغداديّ المتوفّى سنة (٤٦٣ هـ) كتابًا سمّاه "الرحلة في طلب الحديث"، وأورد فيه ما جاء عن الصحابة، فمن بعدهم في ذلك، فأجاد وأفاد، وقد أوردت جملًا مستحسنةً في "شرح سنن ابن ماجه"، فعليك بالاستفادة منه، وبالله تعالى التوفيق.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي إِدْرِيس) تقدّم أن اسمه عائذ الله - بالذال المعجمة - ابن عبد الله