للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كلام القرطبيّ رحمه اللهُ هذا الذي حقّق، وبيّن فيه وجوب استيعاب الرأس بالمسح، كما هو مذهب الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ -، تحقيقٌ نفيسٌ جدّا، وتقدّم تمام البحث فيه في شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(فَأقبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) معناه: أقبل إلى جهة قفاه، والإدبار رجوعه إلى حيث بدأ، كما فسّره حيث قال: "فأقبل بهما، وأدبر، بدأ بمقدّم رأسه"، وقيل: المراد: أدبر، وأقبل؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وفي البخاريّ: "فأدبر بهما، وأقبل"، وهذا أولى لهذا النصّ، وقيل: معنى أقبل: دخل في قبل الرأس، كما يقال: أنجد، وأتهم: إذا دخل نجدًا، وتهامة، وقيل: معناه أنه ابتدأ من الناصية مقبلًا إلى الوجه، ثم ردّهما إلى القفا، ثم رجع إلى الناصية، وهذا ظاهر اللفظ، والإقبال والإدبار مسحةٌ واحدةٌ؛ لأنهما بماء واحد، والمقصود بالرَّدّة على الرأس: المبالغة في استيعابه. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد اختُلف في كيفيّة الإقبال والإدبار على ثلاثة أقوال، قد استوفيت بيانها في "شرح النسائيّ"، وبيّنت أن الظاهر أن هذا من العمل المخيّر فيه، وأن المقصود منه تعميم الرأس بالمسح، فراجعه تستفد (٢)، وبالله تعالى التوفيق.

(ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) البحث فيه كالبحث في قوله: "إلى المرفقين"، وأن الأرجح دخول الكعبين في الغسل، والمشهور أن الكعب هو العظم الناشز عند مُلْتَقَى الساق والقدم، وحَكَى محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة أنه العظم الذي في ظهر القدم عند مَعْقِد الشراك، ورُوي عن ابن القاسم، عن مالك مثله، والأول هو الصحيح الذي يعرفه أهل اللغة، وقد أكثر المتقدمون من الردّ على من زَعَم ذلك، ومن أوضح الأدلة فيه حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - الصحيح في صفة الصفّ في الصلاة: "فرأيت الرجل مِنّا يُلْزِق كعبه


(١) "المفهم" ١/ ٤٨٨.
(٢) راجع "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٢/ ٣٤٠ - ٣٤٢.