للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) كذا بتكرار "مرتين"، ولم تختلف الروايات عن عمرو بن يحيى في غسل اليدين مرتين، لكن في رواية المصنّف الآتية من طريق حَبّان بن واسع، عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - أنه رأى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - توضأ، وفيه: "ويده اليمنى ثلاثًا، ثم الأخرى ثلاثًا"، فيُحْمَل على أنه وضوء آخر؛ لكون مخرج الحديثين غير مُتَّحِدٍ، قاله في "الفتح" (١).

(ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ) وفي رواية البخاريّ: "ثم مسح رأسه" بدون الباء. قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الباء للتعدية، يجوز حذفها وإثباتها، كقولك: مسحت برأس اليتيم، ومسحت رأسه، وسَمَّيتُ ابني بمحمّد، ومحمدًا، ولا يصحّ أن تكون للتبعيض، خلافًا للشافعيّ؛ لأن المحقّقين من أئمة النحويين البصريين، وأكثر الكوفيين أنكروا ذلك، ولأنها لو كانت للتبعيض لكان قولك: مصحتُ برأسه كقولك: مسحت ببعض رأسه، ولو كان كذلك لَمَا حَسُنَ أن تقول: مسحت ببعض رأسه، ولا برأسه بعضه؛ لأنه يكون تكريرًا، ولا مسحتُ برأسه كلّه؛ لأنه يكون مناقضًا له، ولو كانت للتبعيض لما جاز إسقاطها هنا، فإنه يقال: مسحت برأسه، ومسحتُ رأسه بمعنًى واحد، وأيضًا فلو كانت مبعّضةً في مسح الرأس في الوضوء لكانت مبعّضةً في مسح الوجه في التيمّم؛ لتساوي اللفظين في المحلَّين، ولمّا لم تكن كذلك فيه فلا (٢)، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللهُ - وجوب تعميم مسح الرأس؛ تمسّكًا باسم الرأس، فإنه للعضو بجملته كالوجه، وتمسّكًا بهذه الأحاديث، ثم نقول: نحن وإن تنزّلنا على أن الباء تكون مبعّضةً، وغير مبعّضة، فذلك يوجب فيها إجمالًا، أزاله النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بفعله، فكان فعله بيانًا لمجملٍ واجبٍ، فكان مسحه كلّه واجبًا، وسيأتي القول في حديث المغيرة - رضي الله عنه - الذي ذَكَرَ فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - "مسح مقدَّمَ رأسه، وعلى عمامته". انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣).


(١) "الفتح" ١/ ٣٥٠.
(٢) أي لَمّا لم تكن كذلك في مسح الوجه في التيمّم، فلا تكون كذلك في مسح الرأس في الوضوء.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٨٧ - ٤٨٨.