للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أمر الله - عزَّ وجلَّ - باتباع نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو الْمُبَيِّن عن الله أمره، ولم يَحْكِ أحدٌ ممن وَصَف وضوءه - صلى الله عليه وسلم - على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، بل ولا المضمضة، وهو يَرُدُّ على من لم يوجب المضمضة أيضًا، وقد ثبت الأمر بها أيضًا في "سنن أبي داود" بإسناد صحيح، وذكر ابن المنذر أن الشافعيّ لم يَحْتَجّ على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يَعْلَم خلافًا في أن تاركه لا يُعيد، وهذا دليلٌ قويّ، فإنه لا يُحْفَظ ذلك عن أحد من الصحابة، ولا التابعين، إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة، ذكره كله ابن المنذر. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بوجوب الاستنثار هو الحقّ، وكذا المضمضة، والاستنشاق، وأما دعوى الإجماع على عدم وجوبها، كما سبق آنفًا عن ابن المنذر أنه لا يُحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين، غير صحيحة، فقد ذكر ابن المنذر نفسه ذلك عن عطاء، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى، والزهريّ، وإسحاق بن راهويه (٢)، وذكر ابن حزم أنه نُقل عن مجاهد أنه قال: الاستنشاق شطر الوضوء، فأين الإجماع المزعوم؟ وقد تقدّم تحقيق القول في هذا في المسألة السابعة من شرح حديث عثمان - رضي الله عنه -، فراجعه تستفد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الاستجمار وترًا:

(اعلم): أنه اختُلف في اشتراط الثلاث في الاستنجاء بالأحجار على مذاهب:

(الأول): مذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الحديث، فإنهم اشترطوا أن لا ينقص من الثلاث، مع مراعاة الإنقاء إذا لم يحصُل بها، فيُزاد حتى ينقي، ويُستحبّ حينئذ الإيتار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن استجمر فليوتر"، وليس بواجب؛ لما أخرجه أبو داود في "سننه" بإسناد حسن، فزاد: "ومن لا فلا حرج"، وبهذا يحصل الجمع بين الروايات.

(المذهب الثاني): مذهب مالك، وداود قالا: الواجب الإنقاء، فإن


(١) "الفتح" ١/ ٣١٥.
(٢) "الأوسط" ١/ ٣٧٧.