للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الخطابيّ - رحمه الله - في حديث سلمان - رضي الله عنه -: "أمرنا أن نستنجي بثلاثة أحجار": في هذا البيان الواضح أن الاقتصار على أقلّ من ثلاثة أحجار لا يجوز، وإن حصل الإنقاء بدونها، ولو كفى الإنقاء لم يكن لاشتراط العدد معنًى، فإنا نعلم أن الإنقاء قد يحصل بواحد، وليس هذا كالماء إذا أنقى كفى؛ لأنه يزيل العين والأثر، فدلالته قطعيّة، فلم يَحتَجْ إلى الاستظهار بالعدد، وأما الحجر فلا يزيل الأثر، وإنما يفيد الطهارة ظاهرًا لا قطعًا، فاشتُرط فيه العدد، كالعدّة بالأقراء لَمّا كانت دلالتها ظنًّا اشتُرط فيها العدد، وإن كان قد تحصل براءة الرحم بقرء، ولهذا اكتُفي بقرء في استبراء الأمة، ولو كانت العدّة الولادة لم يُشترط العدد؛ لأن دلالتها قطعيّة. انتهى كلام الخطابيّ ملخّصًا.

[فإن قيل]: التقييد بثلاثة أحجار إنما كان لأن الإنقاء لا يحصل بدونهما غالبًا، فخرج مخرج الغالب.

[قلنا]: لا يجوز حمل الحديث على هذا؛ لأن الإنقاء شرط بالاتّفاق، فكيف يُخلّ به، وَيذكُر ما ليس بشرط، مع كونه موهمًا للاشتراط.

[فإن قيل]: فقد ترك ذكر الإنقاء.

[قلنا]: ذلك من المعلوم الذي يُستغنى بظهوره عن ذكره بخلاف العدد، فإنه لا يُعرف إلا بتوقيف، فنصّ على ما يخفى، وترك ما لا يخفى، ولو حُمِلَ على ما قالوه لكان إخلالًا بالشرطين معًا، وتعرُّضًا لما لا فائدة فيه، بل فيه إيهام.

والجواب عن الحديث الذي احتجّوا به: أن الوتر الذي لا حرج في تركه هو الزائد على ثلاثة؛ جمعًا بين الأحاديث، والجواب عن الدليلين الآخرين سبق في كلامنا؛ قاله النوويّ - رحمه الله - في "شرح المهذّب" (١).

وقال العلامة الشوكانيّ - رحمه الله -: وقد عارضت الحنفيّة حديث سلمان - رضي الله عنه - المذكور الذي هو نصّ في اشتراط الثلاث بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي فيه: "فأخذ الحجرين، وألقى الروثة"، قال الطحاويّ: هو دليل على أن عدد الأحجار ليس بشرط؛ لأنه قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار؛ لقوله:


(١) "المجموع" ٢/ ١٠٤.