للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأول، وهو الذي يدلّ عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - "ثم لينتثر" بعد قوله: "فليستنشق". انتهى (١).

وقوله: (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ) قال العلماء رحمهم الله تعالى: الْخَيشوم أعلى الأنف، وقيل: هو الأنف كلُّه، وقيل: هي عظام رِقَاقٌ لَيِّنةٌ في أقصى الأنف، بينه وبين الدماغ، وقيل: غير ذلك، وهو اختلاف متقارب المعنى.

قال القاضي عياض - رحمه الله -: يحتمل أن يكون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن الشيطان يبيت على خياشيمه" على حقيقته، فإن الأنف أحد منافذ الجسم التي يُتَوَصَّل إلى القلب منها، لا سيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غَلَقٌ سواه، وسوى الأذنين، وفي الحديث: "إن الشيطان لا يَفْتَح بابًا مُغْلَقًا" رواه مسلم، وجاء في التثاؤب الأمر بكظمه، من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم.

قال: ويحتمل أن يكون على الاستعارة، فإن ما ينعقد من الغُبَار، ورطوبة الخياشيم قَذارة تُوافق الشيطان، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "فإن الشيطان يبيت على خيشومه": "الخيشوم" - بفتح الخاء المعجمة، وبسكون الياء المعجمة، وسكون الواو - هو الأنف، وقيل المنخر.

وقوله: "فليستنثر" أكثر فائدةً من قوله: "فليستنشق"؛ لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق، بغير عكس، فقد يستنشق، ولا يستنثر، والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق؛ لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه، والاستنثار إخراج ذلك الماء، والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف، والاستنثار يُخرِج ذلك الوسخ مع الماء، فهو من تمام الاستنشاق.

وقيل: إن الاستنثار مأخوذ من النَّثْرَة، وهي طرف الأنف، وقيل: الأنف نفسه، فعلى هذا فمن استنشق، فقد استنثر؛ لأنه يَصْدُق أنه تناول الماء بأنفه، أو بطرف أنفه، وفيه نظر.

ثم إن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم، ويَحْتَمِل أن يكون مخصوصًا


(١) "طرح التثريب" ١/ ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ٣١ - ٣٢.