للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمن لم يَحْتَرِس من الشيطان بشيء من الذكر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، في يوم مائة مرّةٍ، كانت له عَدْل عشر رقاب، وكتبت له مائةُ حسنة، ومُحِيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرْزًا من الشيطان، يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك"، متّفقٌ عليه.

وكذلك من قرأ آية الكرسي، فقد أخرج البخاريّ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكّلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث، فقال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسيّ، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يَقْرَبُك شيطان حتى تصبح، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَك، وهو كَذُوبٌ، ذاك شيطان".

ويَحْتَمِل أن يكون المراد هنا أنه لا يَقْرَب من المكان الذي يوسوس فيه، وهو القلب، فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يَقصد من الوسوسة فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ.

ثم إن الاستنشاق من سنن الوضوء اتّفاقًا لكل من استيقظ، أو كان مستيقظًا، وقالت طائفة بوجوبه في الغسل، وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضًا، وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار، أم لا؟ خلافٌ، وهو محلُّ بحث وتَأَمُّل، والذي يظهر أنها لا تتم إلا به؛ لما تقدم، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ويَحْتَمل البقاء على ظاهره، كما جاء أن الشيطان يدخل إذا لم يَكْظِم المتثائب فاه (٢)، ويَحْتَمل أن يكون ذلك عبارةً عمّا ينعقد من رطوبة الأنف، وقَذَره الموافقة للشيطان، وهذا على عادة العرب في نسبتهم المستخبث، والمستشنع إلى الشيطان، كما قال الله تعالى: {كَأَنَّهُ}


(١) "الفتح" ٦/ ٣٩٥.
(٢) أخرجه المصنّف، وسيأتي في "الرقاق" (٢٩٩٥) عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تثاوب أحدكم، فليُمسك بيده، فإن الشيطان يدخل".