جرير، وإنما لم يقرُن المصنّف بين شيخيه، إشارة إلى فائدة جليلة، وهي بيان كيفيّة التحمّل، فإنه سمع من زهير وحده، ولذا قال:"حدّثني"، وسمع من إسحاق مع غيره، ولذا قال:"حدّثنا"، وأيضًا سمع شيخه زهير من جرير من لفظه، ولذا قال:"حدّثنا"، وسمع إسحاق من جرير بقراءة غيره عليه، فهذه فوائد إسناديّة جليلة، يُستحسن مراعاتها، كما هو دأب المصنّف - رحمه الله - في كتابه هذا، وليس هذا من باب الوجوب، وإلى هذه القواعد أشار السيوطيّ في "ألفيّة الحديث" بقوله:
٣ - (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ: هلال، عن أبي يحيى.
٤ - (ومنها): أن صحابيّه ابن صحابيّ - رضي الله عنهما -، أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم -، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - هذا أخرجه المصنّف - رحمه الله - عنه بطريقين:
[أحدهما]: طريق أبي يحيى الأعرج، وهو متكلّم فيه، كما سبق في ترجمته، وقال عنه في "التقريب": مقبول، يعني أنه يحتاج إلى متابع، وإنما أخرج له المصنّف من باب المتابعة.
[والثاني]: طريق يوسف بن ماهك، وهي أقوى الطريقين؛ لأن يوسف متّفقٌ على توثيقه، ولذا أخرجه الشيخان من طريقه، وإنما قدّم المصنّف - رحمه الله - رواية أبي يحيى على رواية يوسف؛ لكونها أتمّ سياقًا.
وبهذا يتبيّن بطلان زعم من يزعُم أن مسلمًا يبدأ دائمًا بالحديث الذي لا كلام في سنده، ثم يأتي بعد ذلك بما في إسناده كلام، فهذا كلام من لم يمارس هذا الكتاب حق الممارسة، وقد تقدّم لهذا نظائر، وسيأتي أيضًا، وسننبّه عليه - إن شاء الله تعالى.
وخلاصة القول أن المصنّف يقدّم ما يراه مستحقًّا للتقديم، إما من حيث المتن، كهذا، أو من حيث السند كما يفعله كثيرًا، فتنبّه لهذه الدقائق؛ فإنها مهمّة جدًّا، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.