للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أشرعت الرُّمْحَ قِبَلَهُ: أي مددته إليه، وسدَّدته نحوَهُ، وأشرعَ بابًا إلى الطريق: أي فتحه مُسَدِّدًا إليه، وليس هذا مِن شَرَعتُ في هذا الأمر، ولا مِن شَرَعَتِ الدوابُّ في الماء بشيء؛ لأن هذا ثلاثيّ، وذاك رباعيّ.

قال: وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يبلُغ بالوضوء إِبطيه، وساقيه، وهذا الفعل منه مذهبٌ له، ومما انفرد به، ولم يَحْكه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فعلًا، وإنما استنبطه من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم الْغُرُّ الْمُحَجَّلون"، ومن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تبلُغُ حِلْية المؤمن حيثُ يبلغ منه الوضوء"، قال أبو الفضل عياض: والناس مجمعون على خلاف هذا، وأن لا يُتَعدَّى بالوضوء حدوده؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فمن زاد، فقد تعدّى وظلم".

قال: والإشراع المرويّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة محمول على استيعاب المرفقين، والكعبين بالغسل، وعَبَّر عنه بالإشراع في العضد والساق؛ لأنهما مباديهما، وتطويل الغرّة والتحجيل بالمواظبة على الوضوء لكلّ صلاة وإدامته، فتطول غرّته بتقوية نور وجهه، وتحجيله بتضاعف نور أعضائه. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذهب إليه القرطبيّ من نفيه رفع الحديث إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنه من مذهب أبي هريرة، ولم يحكه عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عجيبٌ منه، فما الذي حمله على هذا، وقد ثبت في نفس الحديث هذا ما يُبطل زعمه، حيث قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضّأ"، فقد نصّ وصرّح بكونه نقله عنه - صلى الله عليه وسلم -.

وأما قول عياض: والناس مجمعون على خلافه، فدعوى عاطلة من الصحّة؛ إذ سيأتي ما يردّه عن ابن عمر، وبعض السلف.

ومن غريب صنيع القرطبيّ بعد أن نفى نقل أبي هريرة له عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "والإشراع المرويّ عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - .. إلخ"، أليس هذا من التناقض؟، ثم الأعجب بعد هذا التناقض تأويله الإشراع في العضد والساق بأن المراد استيعاب المرفق والكعب، يعني أنه ليس هناك إشراع حقيقي في العضد، والساق، وإنما هو من باب المبالغة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُجاوز المرفق والكعب، وهذا كلّه عجيب غريبٌ من مثل القرطبيّ.


(١) "المفهم" ١/ ٤٩٨ - ٤٩٩.