للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحقّ أن أبا هريرة - رضي الله عنه - نقل الإشراع المذكور عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كما هو صريح هذا الحديث، وأن الإشراع في العضد والساق مما يُستحبّ في الوضوء، وسيأتي مزيد تحقيق لهذا قريبًا - إن شاء الله تعالى.

(ثُمَّ) غسل (يَدَهُ الْيُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُد، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ) وفي نسخة: "برأسه" (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ) هو: ما بين الركبة والقدم، وهي مؤنّثة، وتصغيرها: سُوَيقة (١). (ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاق، ثُمَّ قَالَ:) وفي نسخة: "ثمّ قال لي" (هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ) هذا صريحٌ في كون أبي هريرة - رضي الله عنه - نقل هذه الكيفيّة في الوضوء من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ - رحمه الله -: وفيه ردٌّ على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة - رضي الله عنه -، بل من روايته ورأيه معًا. انتهى (٢). (وَقَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه - (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ) قال أهل اللغة: "الْغُرَّة" - بضمّ الغين المعجمة، وتشديد الراء -: بياضٌ في جبهة الفرس، و"التحجيلُ": بياض في يديها ورجليها، قال العلماء: سُمِّي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غُرَّةً وتَحْجيلًا؛ تشبيهًا بغُرَّة الفرس (٣)؛ قاله النوويّ.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: أصل "الْغُرّة": لُمْعَةٌ بيضاء تكون في جبهة الفرس، على قدر الدرهم، يقال منه: فرسٌ أغرّ، ثم استُعملت في الجمال والشهرة، وطيب الذكر، كما قال امرؤ القيس [من الطويل]:

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ … وَأَوْجُهُهُمْ عِنْدَ الْمَشَاهِدِ غُرَّانُ (٤)

والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

قال: والتحجيل: وهو بياض يكون في ثلاث قوائم، من قوائم الفرس، وأصله من الْحِجْل - بكسر المهملة - وهو الْخَلْخال، والقيد، ولا بدّ أن يُجاوز التحجيل الأرساغ، ولا يُجاوز الركبتين والْعُرْقُوبين، وهو في الحديث مستعارٌ


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٩٦.
(٢) "الفتح" ١/ ٢٨٤.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ١٣٥.
(٤) وقع في "المفهم": "غُرَارُ" براءين، والذي في "اللسان" آخره نون، وهو الصواب؛ وهو جمع أغرّ، كغُرّ.