للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك، فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرَّح باستحبابه جماعة من السلف، وأكثر الشافعية والحنفية، وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء، فمعترَضٌ بأن الراوي أدرى بمعنى ما رَوَى، كيف وقد صَرَّح برفعه إلى الشارع - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ في "شرحه": (اعلم): أن هذه الأحاديث مُصرِّحة باستحباب تطويل الغرة والتحجيل، أما تطويل الغُرَّة فقال أصحابنا - يعني الشافعيّة -: هو غَسْل شيء من مُقَدَّم الرأس، وما يجاوز الوجه زائدًا على الجزء الذي يجب غسله؛ لاستيقان كمال الوجه، وأما تطويل التحجيل، فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين، وهذا مستحبّ بلا خلاف بين أصحابنا، واختلفوا في قدر المستحبّ على أوجه:

[أحدها]: أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت.

[والثاني]: يستحب إلى نصف العضد والساق.

[والثالث]: يستحب إلى المنكبين والركبتين، وأحاديث الباب تقتضي هذا كله، وأما دعوى الإمام أبي الحسن بن بطال المالكيّ، والقاضي عياض، اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب فباطلة، وكيف تصحّ دعواهما، وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي هريرة - رضي الله عنه -؟ وهو مذهبنا، لا خلاف فيه عندنا كما ذكرناه، ولو خالف فيه مخالفٌ كان محجوجًا بهذه السنن الصحيحة الصريحة، وأما احتجاجهما بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من زاد على هذا، أو نقص فقد أساء وظلم"، فلا يصحّ؛ لأن المراد مَن زاد في عدد المرات، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمهُ اللهُ (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الحقّ استحباب إطالة الغرّة والتحجيل بمجاوزة محل الفرض، فيغسل شيئًا من مقدّم رأسه، وما يجاوز الوجه زائدًا على الجزء الذي يجب غسله، وفي التحجيل يغسل ما فوق المرفقين والكعبين، وهذا هو الذي عليه ظاهر النصّ، وبيّنه الراوي أبو


(١) "الفتح" ١/ ٢٨٥.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٣٤.