للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يترجّح عندي ما رجحه القرطبيّ رحمهُ اللهُ، وهو أن الاستثناء للبقعة التي يُدفن فيها؛ لأنها ليست معيّنة، فيحتمل أن يدفن في البقيع الذي زار أهله، ويحتمل أن يكون في محلّ آخر، كما هو الواقع بعد ذلك، فالاستثناء راجع إلى هذا المبهم، والله تعالى أعلم.

(وَدِدْتُ) بكسر الدال: أي تمنّيتُ وأحبيتُ، ووجه اتّصال وُدّه برؤية أصحاب القبور أنه جاء تصوّر اللاحقين بتصوّر السابقين، وقيل: كُشف له - صلى الله عليه وسلم - عالم الأرواح كلّها (أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا") معناه: تمنّيتُ رؤيتنا إخواننا في الحياة الدنيا، قال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: وقيل: المراد تمني لقائهم بعد الموت، وقال بعضهم: أراد - صلى الله عليه وسلم - أن ينقُل أصحابه من علم اليقين إلى عين اليقين، فيراهم هو ومن معه.

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: هذا يدلّ على جواز تمنّي لقاء الفضلاء والعلماء، وهذه الأخوّة هي أخوّة الإيمان اليقينيّ، والحبّ الصحيح للرسول - صلى الله عليه وسلم -. انتهى (١).

(قَالُوا) أي الصحابة الحاضرون لديه - صلى الله عليه وسلم - (أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("أَنْتُمْ أَصْحَابِي) قال الباجيّ رحمهُ اللهُ: لم يَنفِ بذلك أُخوّتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، واختصاصهم بها، وإنما مَنَع أن يُسمَّوا بذلك؛ لأن التسمية والوصف على سبيل الثناء والمدح للمسمَّى يجب أن يكون بأرفع حالاته، وأفضل صفاته، وللصحابة - رضي الله عنهم - بالصحبة درجة رفيعةٌ، لا يَلحَقهم فيها أحدٌ، فيجب أن يوصفوا بها. انتهى (٢).

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: قال الإمام الباجيّ رحمهُ اللهُ: ليس نفيًا لأُخُوَّتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوةٌ صحابةٌ، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠].

(وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ") "إخواننا" مبتدأ خبره الموصول، قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: ظاهر هذا الكلام أن إخوانه - صلى الله عليه وسلم - غير أصحابه،


(١) "المفهم" ١/ ٥٠١.
(٢) راجع "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ١/ ٦٣.