للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[والوجه الثاني]: أنه قد يكون الاستثناء في الواجبات التي لا بُدّ من وقوعها، كالموت، والكونُ في القبر، ولا بُدّ منه ليس على سبيل الشكّ، ولكنها لغة العرب، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧]، والشكُّ لا سبيل إلى إضافته إلى الله عزَّ وجلَّ، تعالى عن ذلك علام الغيوب. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: هذا الاستثناء يحتمل أوجهًا:

[أحدها]: أَنه امتثال لأمر الله تعالى في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، فكان يُكثر من ذلك حتى أدخله فيما لا بدّ منه، وهو الموت.

[وثانيها]: أنه أراد إنا بكم لاحقون في الإيمان، ويكون هذا قبل أن يعلم بما آل أمره، كما قال: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: ٩].

[وثالثها]: أن يكون استثناءً في الواجب، كما قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧]، وتكون فائدته التفويض المطلق.

[ورابعها]: أن يكون أراد: لاحقون في هذه البقعة الخاصّة، فإنه وإن كان قد علم أنه يموت بالمدينة، ويُدفن بها، فإنه قد قال للأنصار: "المحيا محياكم، والممات مماتكم"، رواه مسلم، لكن لم تُعيّن له البقعة التي يكون فيها إذ ذاك، وهذا الوجه أولى من كل ما ذُكر، وكلّها أقوال لعلمائنا. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ (٢).

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ بعد ذكره نحو ما تقدّم: وقيل: معناه إذ شاء الله، وقيل أقوال أُخَرُ ضعيفةٌ جدًّا تركتها؛ لضعفها، وعدم الحاجة إليها، منها: قولُ من قال: الاستثناء منقطعٌ، راجع إلى استصحاب الإيمان، وقولُ مَن قال: كان معه - صلى الله عليه وسلم - مؤمنون حقيقة، وآخرون يُظَنُّ بهم النفاق، فعاد الاستثناء إليهم، وهذان القولان، وإن كانا مشهورين فهما خطأٌ ظاهرٌ، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمهُ اللهُ (٣).


(١) "التمهيد" ٢٠/ ٢٤٩.
(٢) "المفهم" ١/ ٥٠٠ - ٥٠١.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ١٣٨.