للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحيّة الموتى"؛ لأن معناه أن هذه الصيغة تختصّ بالموتى، وأما "السلام عليكم" فمُشترك.

وأما ما قاله بعضهم من لزوم تقديم المبتدأ على الخبر في السلام على الأحياء والأموات، وإجابته عن حديث أبي جُرَيّ بأنه إخبار عن عادة أهل الجاهليّة من تقديم الخبر على المبتدأ في تحيّة الموتى، كما قال شاعرهم [الطويل]:

عَلَيْكَ سَلَامُ الله قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ … وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا

فبعيدٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يُقِرّ أحدًا على ما يُخالف الشريعة.

فتبيّن بهذا أن السنّة في السلام على الأحياء والأموات تقديم المبتدأ على الخبر، وأنه يجوز في تحيّة الموتى تقديم الخبر (١)، والله تعالى أعلم.

(دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) بنصب "دار" على الاختصاص، أو النداء المضاف، والأول أظهر، ويصحّ جرّه على البدل من الضمير المجرور في "عليكم والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين: الجماعة، أو الأهل، وعلى الأول مثله، أو أهل المنزل، قال الأبيّ: يعني الاختصاص اللغويّ، لا الصناعيّ؛ لفقد شرطه، وهو تقديم ضمير المتكلّم، أو المخاطب. انتهى.

وسُمّيت القبور دارًا؛ تشبيهًا لها بمساكن الأحياء؛ لأنهم يجتمعون في القبور (٢).

(وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) قال الحافظ أبو عمر رحمهُ اللهُ: في معناه قولان:

[أحدهما]: أن الاستثناء مردود على معنى قوله: "دار قوم مؤمنين": أي وإنا بكم لاحقون مؤمنين - إن شاء الله - يريد في حال إيمان؛ لأن الفتنة لا يأمنها مؤمنٌ، ألا ترى إلى قول إبراهيم؛ {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: ٣٥]، وقول يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١].


(١) راجع "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٥/ ١٠٤.
(٢) المصدر السابق.