للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالحوض المصرّح باسمه، وصفته، وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعيّ؛ إذ رَوَى ذلك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة - رضي الله عنهم - نيّف وثلاثون، منهم في "الصحيحين" ما يَنيف على العشرين، وفي غيرهما بقيّة ذلك مما صحّ نقله، واشتهر رواته، ثم رواته عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم، ومن بعدهم أضعاف أضعافهم، وهَلُمّ جرًّا، وأجمع على إثباته السلف، وأهل السنّة من الخلف، وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة (١)، وأحالوه على ظاهره، وغَلَوا في تأويله من غير استحالة عقليّة، ولا عاديّة تَلْزِم من حمله على ظاهره، وحقيقته، ولا حاجة تدعو إلى تأويله، فخَرَقَ من حرّفه إجماع السلف، وفارق مذهب أئمة الخلف. انتهى.

٤ - (ومنها): استحباب الخروج إلى المقابر، وزيارة القبور، وهذا أمر مجمع عليه للرجال، ومختلف فيه للنساء، وقد ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولا تقولوا هُجْرًا، فإنها تُذَكِّر الآخرة"، أخرجه النسائيّ بإسناد صحيح، والصحيح أنه جائز للنساء أيضًا على الوجه المشروع، وهو السلام على المقبور، والدعاء له، وتذكّر الآخرة، ولا يطلب منه قضاء حاجته، ولا يناديه لذلك، ولا يستغيث به، وهذا من الْهُجْر أي الْفُحش الذي نهى عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المذكور، وسأستوفي البحث في هذا بذكر الأدلة الشاملة للرجال والنساء في موضعه من "كتاب الجنائز" - إن شاء الله تعالى.

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمهُ اللهُ: في تسليمه - صلى الله عليه وسلم - على أهل القبور بيان مشروعيّة ذلك، وفيه معنى الدعاء لهم، ويدلّ أيضًا على حُسن التعاهد، وكرَم العهد، وعلى دوام الحرمة، ويحتمل أن يردّ الله تعالى أرواحهم، فيسمعون، ويردّون، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البرّ رحمهُ اللهُ حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "ما من مسلم يمرّ بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا، فيُسلّم عليه، إلا ردّ عليه السلام من قبره". انتهى (٢).

٦ - (ومنها): أن فيه بِشارةً عظيمةً لهذه الأمة - زادها الله تعالى شَرَفًا -


(١) هم المعتزلة وبعض الخوارج.
(٢) "المفهم" ١/ ٥٠٠.