للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

على أن كلَّ مَن أحدث في الدين ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض الْمُبْعَدِين عنه، وأشدُّهم طردًا مَن خالف جماعةَ المسلمين، وفارق سبيلهم، مثل الخوارج على اختلاف فِرَقِها، والروافض على تبايُن ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم يبدِّلون، وكذلك الظّلَمَةُ المسرِفُون في الجور والظلم، وتطميس الحقّ، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستَخِفُّون بالمعاصي، وجميعُ أهل الزيغ والأهواء والبِدَع، كلُّ هؤلاء يُخَاف عليهم أن يكونوا عُنُوا بهذا الخبر، ولا يُخَلَّد في النار إلا كافرٌ جاحدٌ، ليس في قلبه مثقالُ حبة خردل من إيمان، وقد قال ابن القاسم رحمهُ اللهُ: قد يكون من غير أهل الأهواء مَن هو شَرٌّ من أهل الأهواء، وكان يقال: تمامُ الإخلاص تَجَنُّب المعاصي. انتهى (١).

١١ - (ومنها): ما قاله أبو عمر رحمهُ اللهُ أيضًا: وأما قوله: "فإنهم يأتون يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلِين من الوضوء"، ففيه دليلٌ على أن الأمم أتباعَ الأنبياء، لا يتوضؤون مثل وضوئنا على الوجه، فاليدين، فالرجلين؛ لأن الغرة في الوجه، والتحجيل في اليدين والرجلين، هذا ما لا مَدْفَع فيه على هذا الحديث، إلا أن يَتَأَوَّل مُتَأَوِّلٌ هذا الحديث أن وضوء سائر الأمم لا يُكْسِبها غُرَّةً، ولا تحجيلًا، وأن هذه الأمة بُورك لها في وضوئها بما أُعطيت من ذلك شرفًا دائمًا، ولنبيها - صلى الله عليه وسلم -، كسائر فضائلها على سائر الأمم، كما فُضِّل نبيها - صلى الله عليه وسلم - بالمقام المحمود وغيره على سائر الأنبياء، والله أعلم.

وقد يجوز أن يكون الأنبياء يتوضؤون، فيَكسِبون بذلك الغُرَّة والتحجيل، ولا يتوضأ أتباعهم ذلك الوضوء، كما خُصَّ نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - بأشياء دون أمته، منها نكاح ما فوق الأربع، والموهوبة بغير صداق، والوصالُ، وغيرُ ذلك، فيكون ذلك من فضائل هذه الأمة، أن تُشبِه كلُّها الأنبياءَ. انتهى كلام أبي عمر رحمهُ اللهُ.

قال الجامع عفا الله عنه: الأرجح عندي أن يقال: إن الوضوء ليس خاصًّا بهذه الأمة، وإنما خُصّت هي بالغرّة والتحجيل، كما هو صريح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لكم سيما ليست لأحد من الأمم"، فإنه صريح في اختصاصها بهذه السيما، مع أنه


(١) "التمهيد" ٢٠/ ٢٦٢ - ٢٦٣.