للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: "قوله: "بأمر فصلٍ" يحتمل أن يكون الأمر واحد الأوامر، وأن يكون بمعنى الشأن، و"فصل" يحتمل أن يكون بمعنى الفاصل، وهو الذي يفصل بين الصحيح والفاسد، والحقّ والباطل، وأن يكون بمعنى الْمُفَصّل، أي مبيّن مكشوف، ظاهر ينفصل به المراد عن الاشتباه، فإذا كان بمعنى الشأن والفاصل، وهو الظاهر يكون التنكير للتعظيم بشهادة قوله: "وندخل به الجنّة"، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "سألتني عن عظيم" في جواب معاذ - رضي الله عنه -: "أخبرني بعمل يدخلني الجنة"، فالمناسب حينئذٍ أن يكون الفصل بمعنى المفصَّل؛ لتفصيله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان بأركانه الخمسة، كما فصّله في حديث معاذ - رضي الله عنه -، وإن كان بمعنى واحد الأوامر، فيكون التنكير للتقليل، فإذًا (١) المراد به اللفظ، والباء للاستعانة، والمأمور به محذوف، أي مرنا بعمل بواسطة افعلوا، وتصريحه في هذا المقام أن يقال لهم: آمنوا، وقولوا: آمنّا، هذا هو المعنِيُّ بقول الراوي: "أمرهم بالإيمان بالله وحده".

وعلى أن يراد بالأمر الشأن يكون المراد معنى اللفظ وموادّه، وعلى هذا الفصل بمعنى الفاصل، أي مرنا بأمر فصل، أي جامع قاطع، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "قل: آمنت بالله، ثم استقم"، فالمأمور به هاهنا أمر واحد، وهو الإيمان، والأركان الخمسة كالتفسير للإيمان بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ "، ثم بَيّنهُ بما قال.

[فإن قيل]: على هذا في قول الراوي إشكالان:

[أحدهما]: أن المأمور به واحد، وقد قال: أربع.

[وثانيهما]: أن الأركان خمسة، وقد ذكر أربعًا.

[والجواب]: عن الأول أنه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصّلة، وعن الثاني أنه من عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبًا لغرض من الأغراض جعلوا سياقه له، وتوجّهه إليه، وكان ما سواه مطروحًا، ومنه قوله تعالى: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: ١٤]، أي فعزّزناه، فترك المنصوب، وأتى بالجارّ والمجرور؛ لأن الكلام لم يكن مسوقًا له، فهاهنا لَمّا لم يكن الغرض في


(١) هكذا النسخة، ولعل الأولى: "إذ المراد. ." إلخ، فتأمل.