للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ") وفي الرواية التالية: "فذالكم الرباط، فذالكم الرباط" بالتكرار مرّتين، وفي رواية أبي عوانة بالتكرار ثلاث مرّات، وهو مبتدأ وخبره، والإشارة إلى ما ذُكر من الأعمال، أي الرباط الْمُرَغَّب فيه، وأصل الرباط: الحبس على الشيء، كأنه حَبَسَ نفسه على هذه الطاعة، قيل: ويحتمل أنه أفضل الرباط، كما قيل: الجهاد جهاد النفس، ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن، أي أنه من أنواع الرباط؛ قاله القاضي عياضٌ رحمهُ اللهُ.

وقال السيوطيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "فذلك الرباط": أي المذكور في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية [آل عمران: ٢٠٠]، وحقيقته ربط النفس والجسم مع الطاعات، وحكمة تكراره قيل: الاهتمام به، وتعظيم شأنه، وقيل: كرّره - صلى الله عليه وسلم - على عادته في تكرار الكلام؛ ليُفهم عنه، قال النوويّ: والأول أظهر. انتهى (١).

وقال السنديّ رحمهُ اللهُ: قيل: أراد به المذكور في قوله تعالى: {وَرَابِطُوا}، وحقيقته: ربطُ النفس والجسم مع الطاعات، وقيل: المراد هو أفضل الرباط، كما قيل: "الجهاد جهاد النفس" (٢)، وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الحجّ عرفة" (٣)، والرباطُ ملازمة ثَغْر العدوّ؛ لمنعه، وهذه الأعمال تسدُّ طُرُق الشيطان عنه، وتمنع النفس عن الشهوات، وعداوةُ النفس والشيطان لا تخفى، فهذا هو الجهاد الأكبر الذي فيه قهر أعدى عدوّه، فلذلك قال: "الرباط" بالتعريف والتكرار تعظيمًا لشأنه، ويحتمل أنه الرباط المتيسّر الممكن. انتهى كلام السنديّ بزيادة من "المفهم" (٤).

وقال ابن منظور رحمهُ اللهُ: "الرِّبَاط" بكسر الراء في الأصل: الإقامة على


(١) "زهر الربى" ١/ ٩٢.
(٢) قال الحافظ في "تسديد القوس": هو مشهور على الألسنة، وهو كلام إبراهيم بن أبي عبلة، بلفظ: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "جهاد القلب"، راجع "كشف الخفا" ١/ ٤٢٤ - ٤٢٥.
(٣) حديث صحيح. أخرجه أبو داود رقم (١٩٤٩)، والترمذيّ (٨٨٩)، والنسائيّ (٥/ ٢٦٤)، وابن ماجه (٣٠١٥).
(٤) "شرح السنديّ" على النسائيّ ١/ ٩٠، و"المفهم" ١/ ٥٠٨.