الشيء لوجود غيره، ولا مشقّة هنا. انتهى (١).
وقال الطيبيّ رحمهُ اللهُ: إذا كان "لولا" يستدعي امتناع الشيء لوجود غيره، وظاهر أن المشقة نفسها ليست بثابتة فلا بدّ من مقدّر، أي لولا خوف المشقّة، أو توقّعها لأمرتهم. انتهى (٢).
وقال البيضاويّ رحمهُ اللهُ: "لولا" يدلّ على امتناع الشيء لثبوت غيره، والحقّ أنها مركّبة من "لو"، و"لا"، فـ"لو" تدلّ على انتفاء الشيء؛ لانتفاء غيره، فتدلّ ها هنا مثلًا على انتفاء الأمر؛ لانتفاء نفي المشقّة، وانتفاء النفي ثبوت، فيكون الأمر منفيًّا لثبوت المشقة. وفيه دليلٌ على أن الأمر للوجوب، لا للندب من وجهين:
[أحدهما]: أنه نَفَى الأمر مع ثبوت الندبيّة، فلو كان للندب لما جاز ذلك.
[وثانيهما]: أنه جَعَلَ الأمر ثِقَلًا ومشقّةً عليهم، وذلك إنما يتحقّق إذا كان للوجوب؛ إذ الندب لا مشقّة فيه؛ لأنه جائز الترك (٣).
(أَنْ أَشُقَّ) بضمّ الشين المعجمة، من المشقّة، يقال: شَق عليَّ الأمر يَشُقُّ شَقًّا، من باب نصَرَ، ومشقّةً: أي ثَقُلَ عليّ، أفاده في "اللسان".
و"أن" مصدريّة، وهي ومدخولها في محلّ رفع مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا، كما قال في "الخلاصة":
وَبَعْدَ "لَوْلَا" غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ … حَتْمٌ وَفِي نَصِّ يَمِينٍ ذَا اسْتَقَرْ
أي لولا المشقّة، أي مخافتها موجودة لأمرتهم بالسواك.
(عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) متعلّق بـ "أشُقّ" (وَفِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: عَلَى أُمَّتِي) يعني أنه اختَلَف عليه شيوخه، فقتيبة، وعمرو الناقد قالا في روايتهما: "على المؤمنين"، وقال زهير بن حرب: "على أمّتي"، وهذا من احتياطه، ومراعاته لألفاظ شيوخه، كما سبق غير مرّة.
ووقع عند البخاريّ بلفظ: "لولا أن أشقّ على أمتي، أو على الناس"،
(١) "شرح السنديّ على النسائيّ" ١/ ١٢.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٧٨٤.
(٣) راجع "الكاشف" ٣/ ٧٨٤.