قال بعد نقل ما تقدّم ما نصّه: وأقول: الاستحداد إن كان في اللغة حلق العانة كما ذكره النوويّ، فلا دليل على سنّيّة حلق الشعر النابت حول الدبر، وإن كان الاحتلاق بالحديد كما في "القاموس"، فلا شكّ أنه أعمّ من حلق العانة، ولكنّه وقع في "صحيح مسلم" وغيره بدل الاستحداد في حديث: "عشرٌ من الفطرة""حلق العانة"، فيكون مبيّنًا لإطلاق الاستحداد في حديث:"خمس من الفطرة"، فلا يتمّ دعوى سنّيّة حلق شعر الدبر، أو استحبابه إلا بدليل، ولم نقف على حلق شعر الدبر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من فعل أحد من أصحابه - رضي الله عنهم -. انتهى كلام الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): في كيفيّة إزالة شعر العانة:
قال الإمام ابن دقيق العيد رَحِمَهُ اللهُ: الأولى في إزالة الشعر هنا الحلق؛ اتّباعًا، ويجوز النتف بخلاف الإبط، فإنه بالعكس؛ لأنه تحتبس تحته الأبخرة بخلاف العانة، والشعر من الإبط يَضْعُفُ بالنتف، ويقوى بالحلق، فجاء الحكم في كلّ من الموضعين بالمناسب.
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: السنّة في إزالة شعر العانة الحلقُ بالموسَى في حقّ الرجل والمرأة معًا، وقد ثبت الحديث في "الصحيحين" حديثُ جابر - رضي الله عنه - في النهي عن طَرْق النساء ليلًا حتى تمتشط الشَّعِثَة، وتَستَحِدَّ الْمُغِيبة، لكن يتأدّى أصل السنّة بالإزالة بكلّ مزيل.
وقال أيضًا: والأولى في حقّ الرجل الحلق، وفي حقّ المرأة النتف، واستُشكِل بأن فيه ضررًا على المرأة بالألم، وعلى الزوج باسترخاء المحلّ، فإن النتف يُرخي المحلّ باتّفاق الأطبّاء، ومن ثَمَّ قال ابن دقيق العيد: إن بعضهم مال إلى ترجيح الحلق في حقّ المرأة؛ لأن النتف يُرخي المحلّ، لكن قال ابن العربيّ: إن كانت شابّةً فالنتف في حقّها أولى؛ لأنه يربو مكان النتف، وإن كانت كهلة فالأولى في حقّها الحلق؛ لأن النتف يُرخي المحلّ، ولو قيل: الأولى في حقّها التنور مطلقًا لما كان بعيدًا.