للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومقابله حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتنوّر، وكان إذا كثُر شعره حلقه"، ولكن سنده ضعيف جدًّا، قاله في "الفتح" (١).

[تنبيه]: قال الحافظ العراقيّ رَحِمَهُ اللهُ: الحكمة في اختصاص الإبط بالنتف، والعانة بالحلق على وجه الأفضليّة أن الإبط محلّ الرائحة الكريهة، والنتفُ يُضعف الشعر، فتخفّ الرائحة الكريهة، والحلق يكثّف الشعر، فتكثر فيه الرائحة الكريهة. انتهى (٢).

[تنبيه آخر]: قال الحافظ العراقيّ رَحِمَهُ اللهُ أيضًا: [فإن قيل]: قد قدّمتم الاتّفاق على أن حلق العانة، وتقليم الأظفار سنّة، وليست بواجبة، فما وجه قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد في "مسنده" من حديث رجل من بني غفار: "من لم يَحلق عانته، ويقلّم أظفاره، ويَجُزّ شاربه، فليس منّا"، وهذا يدلّ على وجوب هذه الأشياء؟.

[أُجيب عنه]: بوجهين:

[أحدهما]: أن هذا لا يثبُت؛ لأن في سنده ابن لَهِيعة، والكلام فيه معروفٌ، وإنما يثبُت منه الأخذ من الشارب فقط، كما رواه الترمذيّ، وصحّحه (٣)، والنسائيّ من حديث زيد بن أرقم، قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لم يأخذ من شاربه، فليس منّا".

[والثاني]: أن المراد على تقدير ثبوته ليس على سنّتنا، وطريقتنا، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن"، فهذا هو المراد قطعًا. انتهى (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: أما الحديث الأول، فهو ضعيف، لا يحتاج إلى التأويل، وأما الحديث الثاني فهو صحيح، كما مرّ آنفًا، وهذا التأويل لا ينافي الوجوب، فالقول بوجوب إحفاء الشوارب، كما هو مذهب ابن حزم، وبعض طائفة هو الظاهر؛ لظاهر الأمر؛ إذ لا صارف له، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) ١٠/ ٣٥٦.
(٢) "طرح التثريب" ٢/ ٨٠.
(٣) حديث صححيح، أخرجه الترمذي في "جامعه" ٥/ ٩٣، والنسائيّ رقم (١٣) و (٤٦٩١).
(٤) "طرح التثريب" ٢/ ٨١ - ٨٢.