لأنها آلة التشهّد، وأما إتباعها بالوسطى، فلأن غالب من يُقلّم أظفاره يقلمها من قِبَل ظهر الكفّ، فتكون الوسطى جهةً يمينه، فيستمرّ إلى أن يَختِم بالخنصر، ثم يكمّل اليد بقصّ الإبهام، وأما في اليسرى، فإذا بدأ بالخنصر لزم أن يستمرّ على جهة اليمين إلى الإبهام … إلى آخر ما قاله الحافظ في "الفتح"(١).
قال: وقد أنكر ابن دقيق العيد الهيئة التي ذكرها الغزاليّ، ومن تبعه، وقال: كلُّ ذلك لا أصل له، وإحداث استحباب لا دليل عليه، وهو قبيح عندي بالعالم، ولو تخيّل متخيّل أن البداءة بمسبّحة اليمنى من أجل شرفها، فبقيّة الهيئة لا يُتخيّل فيه ذلك. نعم، البداءة بيمنى اليدين، ويمنى الرجلين له أصل، وهو "كان يُعجبه التيامن".
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الإمام ابن دقيق العيد رَحِمَهُ اللهُ هو التحقيق الذي لا يقتضي الدليل سواه؛ لأن الشارع لَمَّا أمر بتقليم الأظفار أطلق فيه، فتقييد إطلاقه بما لا يقتضيه نصّ آخر مما لا ينبغي؛ لأن للشارع في إطلاق الأمر أحيانًا حكمةً كما له في تقييدها في بعض الأحيان حكمةً، فالإنسان مخيّر في فعل ما يسهل عليه، إلا أن اليمين له شرفٌ، كما دلّ عليه حديث عائشة - رضي الله عنها - وغيره، فبداءته بيُمنى اليدين والرجلين مستحبّ، وما عدا ذلك من الكيفيّات التي ذكرها الغزاليّ، وتبعه النوويّ، والعراقيّ، وأيّده صاحب "الفتح"، فمما لا ينبغي الالتفات إليه، حيث لا مستند لهم في ذلك من النصوص.
وكذلك ما ذكره الدمياطيّ أنه تلقَّى عن بعض المشايخ أن من قصّ أظفاره مخالفًا لم يُصبه رَمَدٌ، وأنه جرّب ذلك مدّةً طويلةً، وأن أحمد نصّ على استحباب قصّها مخالفًا، كما نقل. ذلك كله في "الفتح"، فمما لا يُلتفت إليه أيضًا؛ لأنه لا أثارة عليه من النصوص، فالتجربة لا تكون مستندًا لتشريع الأحكام، بل العمدة في ذلك كلّه هو النقل عمن لا يَنطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]، نسأل الله تعالى أن يسلك بنا مسلك الاتّباع، ويُجنّبنا الابتداع، إنه وليّ ذلك آمين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.