وقال ابن القاسم عن مالك: إحفاء الشارب عندي مثلة، والمراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو حرف الشفتين، وقال أشهب: سألت مالكًا عمن يحفي شاربه؟ فقال: أرى أن يوجع ضربًا، وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت في الناس. انتهى.
وأغرب ابن العربيّ، فنقل عن الشافعي أنه يَستَحِبّ حلق الشارب، وليس ذلك معروفًا عند أصحابه.
قال الطحاويّ: الحلق هو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. انتهى.
وقال الأثرم: كان أحمد يُحفي شاربه إحفاء شديدًا، ونصَّ على أنه أولى من القصّ.
وقال القرطبيّ: وقصُّ الشارب أن يأخذ ما طال على الشفة، بحيث لا يؤذي الآكل، ولا يجتمع فيه الوسخ، قال: والْجَزّ، والإحفاء هو القص المذكور، وليس بالاستئصال عند مالك، قال: وذهب الكوفيون إلى أنه الاستئصال، وبعض العلماء إلى التخيير في ذلك.
قال الحافظ: هو الطبريّ، فإنه حَكَى قول مالك، وقول الكوفيين، ونقل عن أهل اللغة أن الإحفاء الاستئصال، ثم قال: دلّت السنة على الأمرين، ولا تعارض، فإن القصّ يدل على أخذ البعض، والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت، فيتخير فيما شاء.
وقال ابن عبد البرّ: الإحفاء مُحْتَمِل لأخذ الكل، والقصّ مفسَّرُ المراد، والمفسَّر مُقَدَّم على المُجْمَل. انتهى (١).
قال الحافظ: ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معًا في الأحاديث المرفوعة، فأما الاقتصار على القصّ، ففي حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ضِفْتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان شاربي وَفَى، فقصّه على سواك، أخرجه أبو داود.
(١) واعترضه الصنعانيّ في "العدّة" (١/ ٣٤٦) بأن هذا ترجيح لمذهب مالك، وأن قوله: "إن الإحفاء محتمل لأخذ الكلّ" عبارة غير جيّدة؛ إذ هو ظاهر في أخذ الكلّ. انتهى.