للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فحصل خمس روايات: "أعفوا"، و"أوفوا"، و"أَرْخُوا"، و"أَرْجُوا"، و "وفِّروا"، ومعناها كلِّها تركُها على حالها، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه، وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء، وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: يكره حَلْقها، وقصُّها، وتحذيفها (١) وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وتكره الشهرة في تعظيمها، كما تكره في قصِّها وجزِّها، قال: وقد اختَلَف السلف هل لذلك حدٌّ، فمنهم من لم يُحَدِّد شيئًا في ذلك، إلا أنه لا يتركها لحدّ الشهرة، ويأخذ منها، وكَرِه مالك طولها جدًّا، ومنهم من حدَّد بما زاد على القبضة، فيُزال، ومنهم من كَرِه الأخذ منها إلا في حجّ أو عمرة.

قال: وأما الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه، بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحفُوا"، و"أَنْهِكوا"، وهو قول الكوفيين.

وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال، وقاله مالك، وكان يرى حلقه مُثْلَةً، ويأمر بأدب فاعله، وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه، ويَذْهَب هؤلاء إلى أن الإحفاء، والْجَزَّ، والقَصّ بمعنى واحد، وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة.

وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين. انتهى كلام القاضي.

قال النوويّ: والمختار ترك اللحية على حالها، وأن لا يُتَعَرَّض لها بتقصير شيء أصلًا، والمختار في الشارب ترك الاستئصال، والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة. انتهى (٢).

وأخرج الإمام البخاريّ - رَحِمَهُ اللهُ -، في "صحيحه"، من طريق عُمر بن محمد بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "خالفوا المشركين، وفِّرُوا اللِّحَى، وأَحْفُوا الشوارب"، وكان ابن عمر إذا حجّ، أو اعتمر قَبَضَ على


(١) أي تقصير بعضها، قال في "المصباح": حذَفَ من شعره: إذا قصّر منه، وحذّف بالتثقيل مبالغة، وكلُّ شيء أخذت من نواحيه حتى سوّيته، فقد حذّفته تحذيفًا. انتهى.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ١٥١.