للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واستدبارها مطلقًا إلى أن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - لا يصلَحُ تخصيص حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - به؛ لأنه فعلٌ في خلوة، وهو محتمِلٌ للخصوص، وحديث أبي أيوب قولٌ قُعِّدت به القاعدة، فبقاؤه على عمومه أولى.

والجواب عن ذلك أن نقول: أما فعله - صلى الله عليه وسلم -، فأقلّ مراتبه أن يُحْمَل على الجواز بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله، وبدليل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة - رضي الله عنها - (١) حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم: "ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ " (٢) وقالت عائشة رمنها: "فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاغتسلنا" (٣)، تعني التقاء الختانين، وقَبِلَ ذلك الصحابة، وعَمِلُوا عليه.

وأما كون هذا الفعل في خلوة، فلا يصلح مانعًا من الاقتداء؛ لأن الحدث كلّه كذلك يُفعَلُ، ويمنَعُ أن يُفعَلَ في الملإ، ومع ذلك فقد نُقِلَ، وتُحُدّث به، سيّما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته، من الأمور المشروعة.


(١) كان في نسخة "المفهم" عائشة بدل أم سلمة، وهو غلطٌ، والإصلاح من "الموطأ"، فتنبّه.
(٢) رواه الإمام مالك - رَحِمَهُ اللهُ - في "الموطأ" ١/ ٢٩١، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رجلًا قَبّل امرأته، وهو صائم في رمضان، فوَجَد من ذلك وجدًا شديدًا، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة، زوج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبّل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شرًّا، وقال: لسنا مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الله يُحِلّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لهذه المرأة؟ " فأخبرته أم سلمة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ "، فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته، فزاده ذلك شرًّا، وقال: لسنا مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الله يحل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده". انتهى.
(٣) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" ٦/ ٢٣٩، والترمذيّ ١/ ١٨٠ وابن ماجة ١/ ١٩٩.