للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبعض السلف ذهبوا إلى أن الأفضل هو الحجر، وربما أوهم كلام بعضهم أن الماء لا يُجزي.

وقال ابن حبيب المالكيّ: لا يجزئ الحجر إلا لمن عَدِمَ الماء، وهذا خلاف ما عليه العلماء، من السلف والخلف، وخلاف ظواهر السنن المتظاهرة. انتهى كلام النوويّ (١).

وقال في "الفتح" عند البخاريّ رحمه الله: "باب الاستنجاء بالماء": أراد بهذه الترجمة الردّ على مَن كرهه، وعلى مَن نَفَى وقوعه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد رَوَى ابنُ أبي شيبة بأسانيد صحيحة، عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إذًا لا يزال في يدي نَتْنٌ، وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله، ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استَنْجَى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه مَنَع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. انتهى (٢).

وقد تقدّم أن ابن المنذر حَكَى عن سعد بن أبي وقّاص، وحُذيفة، وابن الزبير - رضي الله عنهم - أنهم كانوا لا يرون الاستنجاء بالماء، وعن سعيد بن المسيّب، قال: ما يفعل ذلك إلا النساء، وقال عطاء: غسل الدبر مُحدَث. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: كلّ هذه الأقوال يردّها ما ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الكثيرة الصحيحة، فالاستنجاء بالماء سنّة ثابتةٌ، قد وردت به أحاديث كثيرة:

(فمنها): حديث أنسٍ - رضي الله عنه - المذكور في الباب.

(ومنها): حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لنسوة: "مُرْنَ أزواجكنّ أن يستنجوا بالماء، فإني أستحييهم منه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله"، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد، والترمذيّ، والنسائيّ.

(ومنها): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى الخلاء أتيته بماء في ركوة، فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر، فتوضّأ"، وهو حديث حسنٌ، أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وغير ذلك.


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ١٦٣.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٠٢.