وبهذا علمتَ أن الحقّ ما ذهب إليه الإمام أحمد، ومن معه من ثبوت المسح على العمامة، كثبوته بالإجماع على الرأس.
والحاصل أنه ثبت المسح على الرأس فقط، وعلى العمامة، فقط، وعلى الرأس والعمامة، والكلّ صحيح ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مذكور في كتب الأئمة الصحاح، والنبيّ - صلى الله عليه وسلم - مُبيّن لأمر الله، فقصر الإجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين. انتهى كلام عبيد الله المباركفوريّ رحمه الله في "شرحه على المشكاة"(١) ببعض تصرّف، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.
(وَعَلَى خُفَّيْهِ) أي ومسح أيضًا على خفّيه (ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْتُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ) أي وصلنا إلى الصحابة الذين تقدّموا على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعلى المغيرة، بأمره - صلى الله عليه وسلم - (وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلَاةِ) هي صلاة الصبح، كما بُيِّن في رواية أخرى (يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَقَدْ رَكَعَ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) أي عَلِمَ عبد الرحمن بن عوف بحضور النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (ذَهَبَ) أي شرع، وبدأ (يَتَأَخَّرُ) عن إمامته؛ لظنّه أنه - صلى الله عليه وسلم - يتقدّم، فيؤمّ الناس (فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ) أي أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الرحمن؛ ليُتمّ صلاته إمامًا (فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا سَلَّمَ) وفي الرواية الآتية: "فلما سلّم عبد الرحمن بن عوف"(قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقُمْتُ، فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا) - بفتح السين، والموحّدة، والقاف -، مبنيًّا للفاعل؛ أي الركعة الأولى التي فاتتنا قبل حضورنا.
زاد في رواية عروة الآتية:"فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته أقبل عليهم، ثم قال: أحسنتم، أو قال: قد أصبتم، يَغْبِطهم أن صَلَّوا الصلاة لوقتها".
[فإن قلت]: كيف بقي عبد الرحمن بن عوف إمامًا في صلاته، وتأخر أبو بكر الصديق - رضي الله عنهما - ليتقدم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟.
[أجيب]: بوجود الفرق بينهما، وذلك أن في قضية عبد الرحمن كان قد ركع ركعة، فترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التقدم؛ لئلا يَخْتَلّ ترتيب صلاة القوم، بخلاف قضية