قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن هؤلاء رجّحوا رواية الثوريّ، عن الأعمش بلا واسطة بين عبد الرحمن بن أبي ليلى، وبين بلال - رضي الله عنه -؛ لأن الثوريّ أثبت ممن خالفه فيه، ولأن الأعمش تابعه جماعة، وهم: شعبة، ومنصورُ بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وغيرهم، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، كما رواه الثوريّ، عن الأعمش، فأسقطوا الواسطة، فإذا ترجحت هذه الرواية فإن الإسناد يكون منقطعًا؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يَلْق بلالًا، كما أوضحه أبو الفضل، هذا هو خلاصة كلامهم.
والذي يظهر أن الإمام مسلمًا لم يلتفت إلى هذه العلّة، فصحّح الحديث؛ لأن الأعمش حافظ إمام، وقد اتّفق أبو معاوية، وعيسى بن يونس في هذه الرواية، وعليّ بن مسهر في الرواية التالية، وعبد الله بن نمير في رواية النسائيّ، كلهم عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجرة، عن بلال - رضي الله عنه -، فيكون هذا من باب زيادة الثقة، وأيّد ذلك بأن في رواية عيسى تصريح الأعمش، وكعب بالتحديث، وهذا وجه صحيح، وقد سبق أن أبا زرعة قوّاه، فقد قال: الأعمش حافظٌ، وأبو معاوية، وعيسى بن يونس، وابن نمير، وهؤلاء قد حفظوا عنه، فدلّ على أنه يرى صحّة هذا الطريق.
والحاصل أن مذهب المصنّف في تصحيح هذا الطريق، والحكم باتّصاله له وجه وجيه لمن تأمّله بالإنصاف، والله أعلم بالصواب.
وقوله:(وَفِي حَدِيثِ عِيسَى: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، حَدَّثَنِي بِلَالٌ) فيه من دقائق علم الإسناد ما لا يخفى على بصير، ووجه ذلك أن الأعمش يروي عنه هنا اثنان: أبو معاوية، وعيسى بن يونس، فقال أبو معاوية في روايته: عن الأعمش، عن الحكم، وقال عيسى في روايته: عن الأعمش، قال: حدثني الحكم، فأتى بـ "حدّثني" بدل "عن"، ولا شك أن "حَدَّثنا" أقوى، لا سيّما من الأعمش الذي هو معروف بالتدليس.