(عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ) رحمه الله (عَنْ أَبِيهِ) بُريدة بن الْحُصَيب - رضي الله عنه - (أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصَّلَوَاتِ) زاد الترمذيّ في روايته: "كُلَّها"، وعند أبي داود:"خمس صلوات"(يَوْمَ الْفَتْحِ) أي يوم فتح مكة الذي حصل به أعظم فتوح الإسلام، وأعزّ الله تعالى به دينه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجُندَه، وحَرَمه، واستَبْشَر به أهل السماء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة في شهر رمضان، كما هو معروف في التاريخ والسير (بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ) أي على خلاف عادته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان يتوضّأ لكلّ صلاة، كما بُيّن في حديث أنس - رضي الله عنه -، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحه" من طريق سفيان الثوريّ، عن عمرو بن عامر، عن أنس بن مالك، قال:"كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة"، قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يُجزِئ أحدنا الوضوء ما لم يُحْدِث.
(وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْه، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ) بن الخطّاب - رضي الله عنه - (لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ) منصوب على الظرفية (شَيْئًا) منصوب على أنه مفعول به، وَيحتَمِل أن يكون مفعولًا مطلقًا: أي صنعًا، وذلك الشيء هو تأديته - صلى الله عليه وسلم - الصلوات الخمس بوضوء واحد (لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ) أي لم تكن تعتاده، وإلا فقد ثبت أنه كان يفعله قبل ذلك أحيانًا، وقد فعله بالصهباء أيام خيبر، فقد أخرج البخاريّ رحمه الله من طريق بُشير بن يسار، عن سُوَيد بن النعمان - رضي الله عنه -؛ أنه خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء - وهي أدنى خيبر - فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يُؤْتَ إلا بالسويق، فأَمَرَ به، فَثُرِّي، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فمضمض، ومضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ.
قال الجامع عفا الله عنه: وهذا كان قبل الفتح بلا شكّ، وكان عمر - رضي الله عنه - في تلك الغزوة معهم، فلعلّه - رضي الله عنه - لم يشهد الواقعة، أو نسيها، فأطلق النفي، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (عَمْدًا) منصوب على التمييز، أو على الحال من الفاعل، فقُدّم اهتمامًا بشرعيّة المسألتين في الدين؛ ردًّا لزعم من لا يرى المسح على الخفّين (صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ) أي فعلتُ جمع الصلوات بوضوء واحد، متعمّدًا، لا ساهيًا؛ لبيان الجواز.