ودليلُ الجمهور الأحاديث الصحيحة: منها: هذا الحديث، وحديث أنس - رضي الله عنه - في "صحيح البخاريّ": "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يُحْدِث"، وحديث سُويد بن النعمان - رضي الله عنه - في "صحيح البخاريّ" أيضًا: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى العصر، ثم أكل سويقًا، ثم صلى المغرب ولم يتوضأ"، وفي معناه أحاديث كثيرة، كحديث الجمع بين الوقوف بعرفة والمزدلفة، وسائر الأسفار، والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق، وغير ذلك.
وأما الآية الكريمة فالمراد بها - والله أعلم - إذا قمتم محدثين، وقيل: إنها منسوخة بفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا القول ضعيف. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أنه لا يجب الوضوء إلا على من أحدث، وأنه يجوز الجمع بين الصلوات بوضوء واحد، وهذا إجماع، وما نقل عن بعضهم لا يصحّ، أو يُحمل على أنهم أرادوا التجديد على سبيل الاستحباب، لا الوجوب، وإلا فهم محجوجون بهذه الأدلّة الصحيحة الصريحة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال النوويّ رحمه الله: قال أصحابنا: ويستحب تجديد الوضوء، وهو أن يكون على طهارة، ثم يتطهر ثانيًا من غير حدث، وفي شرط استحباب التجديد أوجه:
[أحدها]: أنه يستحب لمن صلى به صلاةً، سواء كانت فريضةً أو نافلةً.
[والثاني]: لا يستحب إلا لمن صلى فريضة.
[والثالث]: يستحب لمن فَعَل به ما لا يجوز إلا بطهارة، كمسّ المصحف، وسجود التلاوة.
[والرابع]: يستحب، وإن لم يفعل به شيئًا أصلًا، بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق، ولا يستحب تجديد الغسل على المذهب الصحيح المشهور، وحَكَى إمامُ الحرمين وجهًا أنه يستحبّ، وفي