فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الآية [المائدة: ٦]، وقال جل ثناؤه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} الآية [النساء: ٤٣]، ودلَّت الأخبار الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وجوب فرض الطهارة للصلاة، واتَّفَقَ علماء الأمة أن الصلاة لا تجزي إلا بها، إذا وجد السبيل إليها.
قال: وظاهر قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، فدَلّ قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، وصلواتٍ بوضوء واحد على أن فرض الطهارة على من قام إلى الصلاة محدثًا دون من قام إليها طاهرًا.
قال: وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة الظهر والعصر بوضوء واحد، وكذلك فَعَل بالمزدلفة، جَمَع بين المغرب والعشاء بوضوء واحد، ولم تزل الأئمة تفعل ذلك بعده، وقد قام إلى العصر وإلى العشاء ولم يذكر أحد أنه أحدث لذلك طهارةً، والأخبار في هذا المعنى تكثر، فدل كلُّ ما ذكرناه على أن المأمور بالطهارة من قام إلى الصلاة محدثًا دون من قام إليها طاهرًا، وقد أجمع أهل العلم على أن لمن تطهّر للصلاة أن يصلي ما شاء بطهارته من الصلوات إلا أن يُحدِث حدثًا ينقض طهارته، وكان زيد بن أسلم يقول: نزلت الآية - يعني قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} يعني إذا قمتم من المضاجع؛ يعني النوم. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله (١).
وقال النوويّ رحمه الله: وحَكَى أبو جعفر الطحاويّ، وأبو الحسن بن بطال في "شرح صحيح البخاري" عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة، وإن كان متطهرًا، واحتجّوا بقول الله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية [المائدة: ٦]، وما أظنّ هذا المذهب يصحّ عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة.