وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه، وفيه نظرٌ؛ لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصريّ، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرمانيّ عنه، ونُقِل عن الشافعيّ أنه قال: هو حديث لم أقف على صحته، ولكن هذا لا يُثبِت العذر لمن وقف على صحته.
وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث ابن مغفل، والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع، والأخذ بحديث ابن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس، والزيادةُ من الثقة مقبولةٌ، ولو سلكنا مسلك الترجيح في هذا الباب لم نَقُل بالتتريب أصلًا؛ لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من أثبته، ومع ذلك فقلنا به؛ أخذًا بزيادة الثقة.
وجَمَعَ بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز، فقال: لَمّا كان التراب جنسًا غير الماء جُعِل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودًا باثنتين.
وتعقّبه ابن دقيق العيد بأن قوله:"وعَفِّروه الثامنة بالتراب" ظاهر في كونها غسلةً مستقلةً، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع، كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازًا، وهذا الجمع من مُرَجِّحات تعيّن التراب في الأولى، والكلام على هذا الحديث، وما يتفرع منه منتشر جدًّا، ويمكن أن يُفْرَد بالتصنيف، ولكن هذا القدر كافٍ في هذا المختصر، والله المستعان. انتهى ما في "الفتح"(١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق من بيان أقوال العلماء، وأدلّتها، بما لها وما عليها، ومما يأتي من حديث عبد الله بن مغفّل - رضي الله عنه - أن أرجح الأقوال هو القول بوجوب غسل وُلُوغ الكلب ثمان مرّات، مع تتريب إحداهنّ، وكونها الأُولى هو الأَولى؛ لوضوح حجته النيّرة الواضحة، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: وللعينيّ الحنفيّ تعقّبات على ما سبق عن "الفتح"، وكلها تعصّباتٌ محضة، قد ذكرت تفنيدها في "شرح النسائيّ"؛ أخذًا مما قاله