المحقّقون من الحنفيّة، كصاحب "السعاية في شرح الوقاية"، والعلّامة المباركفوري في كتابيه:"أبكار المنن"، و"تحفة الأحوذيّ"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): قال ابن دقيق العيد - رحمه الله تعالى -: الإناءُ عامّ يدخل تحته أحوال الإناء لما كنّا قد قرّرنا في عموم الحكم في الأحوال إذا كان التخصيص ببعضها يخالف ما دلّ عليه اللفظ من العموم في الذوات على خلاف ما يقوله بعض المتأخّرين، فعلى هذا يدخل فيه الإناء الذي فيه الطعام؛ للعموم، ولمالك - رحمه الله تعالى - قول أنه لا يغسل إلا إناء الماء دون إناء الطعام، قال في "المدوّنة": إن كان يُغسل سبعًا للحديث ففي الماء وحده. انتهى.
ووُجِّه ذلك بأمرين:
أحدهما: مبنيّ على تخصيص العامّ بالعرف، والعرف أن الطعام محفوظ عن الكلاب، مصونٌ عنها؛ لعزّته عند العرب، فلا يكاد الكلب يَصِل إلا إلى الماء، فيُقيّد اللفظ بذلك.
الثاني: أن في الحديث "فليُرقه، وليغسله سبع مرّات"، والطعام لا يجوز إراقته؛ لحرمته، ولنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال، متّفق عليه.
ويجيء على البحث المتأخّر وجه ثالث، وهو أن يقال: هو عامّ في الأواني، مطلقٌ في أحوالها عَمِلنا به فيما إذا كان فيها الماء، والمطلق إذا عُمِل به مرّةً كفى في تأدّي الواجب، فلا يبقى حجة في إناء الطعام.
فأما الوجه الأول فمبنيّ على تخصيص العموم بالعرف، وفيه مَنْعٌ في الأصول، والراجح عند كثير من الأصوليين خلافه.
وأما الثاني، فضعيفٌ؛ لأن عموم الأمر بالإراقة يقتضي إراقة الطعام أيضًا، وتحريم إراقته ممنوع بعد دلالة العموم على الأمر بها، وماليّته أيضًا يمنعها القائل بتنجيسه بعد الولوغ فيه.
وأما الاستدلال بالنهي عن إضاعة المال، فسيأتي البحث فيه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.