للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَابْكِي أَخَاكِ لأَيْتَامٍ وَأَرْمَلَةٍ … وَابْكِي أَخَاكِ إِذَا جَاوَرْتِ أَجْنَابًا

وقيل: معنى تجنّب الرجلُ الشيء: أي جعله جانبًا وتركه، فقيل: من هذا يقال: رجل جُنُبٌ: أي أصابته جنابة، كأنه في جانب عن الطهارة.

والجنابة في عرف حملة الشرع تُطلَق على إنزال الماء، أو التقاء الختانين، أو ما يترتّب على ذلك.

قال أبو القاسم الراغب في "المفردات": وقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] أي أصابتكم الجنابة، وذلك بإنزال الماء، أو بالتقاء الختانين، ثم قال: وسُمِّيت الجنابة بذلك؛ لكونها سببًا لتجنّب الصلاة في حكم الشرع. انتهى (١).

(فَقَالَ) السائب (كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ) أبو هريرة: - رضي الله عنه - (يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا)، أي يغترف منه بالإناء اغترافًا، قال القرطبيّ رحمه الله: يعني أن يتناول منه، فيغتسل خارجه، ولا ينغمس فيه، وهذا كما قال مالك حيث سُئل عن نحو هذا، فقال: يحتال، وهذا كلّه محمول على غير المستبحر (٢)، وأما إذا كان كثيرًا مستبحرًا بحيث لا يتغيّر، فلا بأس به؛ إذ لم يتناوله الخبر، وللإجماع على أن الماء إذا كان بحيث لا تسري حركة المغتسل، أو المتوضّئ إلى جميع أطرافه، فإنه لا تضرّه النجاسة إذا لم تُغيّره، وهو أقصى ما فُرّق به بين القليل والكثير في المياه. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: أقصى ما فرّق إلخ فيه نظر، بل الصواب أن أصحّ الفرق بين القلّة والكثرة هو ما جاء عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث"، وفي لفظ: "لم ينجس"، وهو حديث صحيح، أخرجه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه الحاكم، وابن حبّان، وغيرهما، وقد استوفيت البحث فيه في "شرح النسائيّ" (٤)، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) راجع: "شرح الإلمام" ٢/ ٢٦ - ٢٩.
(٢) "المستبحر" هو الذي يُعدّ كالبحر.
(٣) "المفهم" ١/ ٥٤٣.
(٤) راجع: "ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" ٢/ ١٠ - ٢٠.