للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": وظاهر الحصر في قوله: "إنما هي لذكر الله تعالى إلخ" أنه لا يجوز في المسجد شيء غيرُ ما ذُكِر من الصلاة، والقرآن، والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلافُ الأولى، والله تعالى أعلم (١).

١٢ - (ومنها): أن الأرض تُطَهَّر بصب الماء عليها، ولا يشترط حفرها، وهذا مذهب الجمهور، وخالف في ذلك الحنفية، حيث قالوا: لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النوويّ وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رِخْوَةً بحيث يتخللها الماء حتى يَغْمُرها، فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صَلْبةً، فلا بُدّ من حفرها، وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يَغْمُر أعلاها وأسفلها، واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاثة طرق، أحدها موصول عن ابن مسعود، أخرجه الطحاويّ، لكن إسناده ضعيف، قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان، أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن مَعْقِل بن مُقَرِّن، والآخر أخرجه سعيد بن منصور، من طريق طاوس، ورواتهما ثقات.

قال الحافظ: وهو يَلزَم مَن يَحتَجُّ بالمرسل مطلقًا، وكذا من يحتج به إذا اعتَضَدَ مطلقًا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين، وكان من أرسل إذا سَمَّى لا يُسَمِّي إلا ثقةً، وذلك مفقود في المرسَلَين المذكورين، على ما هو ظاهر من سنديهما. انتهى (٢).

١٣ - (ومنها): أن الماء إذا كان واردًا على النجاسة طهّرها، وقال القرطبيّ: فرّقت الشافعيّة بين وُرود الماء على النجاسة، وورود النجاسة على الماء؛ تمسّكًا بهذا الحديث، وقالوا: إذا كان الماء دون القلّتين، فحلّ به نجاسة تنجّس، وإن لم تُغيّره، وإن ورد ذلك القدر، فأقلّ على النجاسة، فأذهب عينها بقي الماء على طهارته، وأزال النجاسة، قال: وهذه مناقضة؛ إذ المخالطة حصلت في الصورتين، وتفريقهم بالورود فرقٌ صوريّ، ليس فيه من الفقه شيء، وليس الباب من باب التعبّدات، بل من باب عقليّة المعاني، فإنه


(١) "الفتح" ١/ ٣٨٨.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٨٨ - ٣٨٩.