وبما أخرجه أبو داود وغيره عن معاوية بن أبي سفيان قال: سألت أم حبيبة، زوج النبيّ - صلي الله عليه وسلم -: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ قالت: نعم إذا لم يَرَ فيه أذى.
وقالت طائفة: المني طاهر: لا يجب غسل الثوب منه، وقال بعضهم: يُفْرَك من الثوب، فممن كان يَرَى أنه يَفْرُك المنيّ من ثوبه سعد، وابن عمر، وقال ابن عباس: امسحه بإذخرة، أو خرقة، ولا تغسله إن شئت، ورُوي عنه أنه قال: هو كهيئة النخام، أو البزاق، أو المخاط، فَحُتَّه، أو امسحه بخرقة، وقال عطاء: أَمِطه بإذخرة، وقال ابن المسيب: إذا صليت، وفي ثوبك جنابة، فلا إعادة عليك.
وكان الشافعيّ يقول: المنيّ ليس بنجس، وبه قال أبو ثور، وقال أحمد: يُجزيه أن يفرُكه، وقال أصحاب الرأي في المنيّ يكون في الثوب، فيجفّ، فحَتَّه الرجل يُجزيه ذلك، وفي العَذِرة والدم لا يجزيه الْحَتّ، وهما في القياس سواءٌ، غير أنه جاء في المني أثرٌ، فأخذنا به.
واحتج الذين قالوا بالفرك بحديث عائشة - رضي الله عنها - المذكور في الباب.
قال ابن المنذر - رحمه الله -: المنيّ طاهرٌ، ولا أعلم دلالةً من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، يوجب غسله. انتهى (١).
وقال في "الفتح": ليس بين حديث الغسل، وحديث الفرك تعارض؛ لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المنيّ بأن يُحْمَل الغسل على الاستحباب للتنظيف، لا على الوجوب، وهذه طريقة الشافعيّ، وأحمد، وأصحاب الحديث.
وكذا الجمع ممكنًا على القول بنجاسته، بأن يُحمَل الغسل على ما كان رَطْبًا، والفرك على ما كان يابسًا، وهذه طريقة الحنفية.
والطريقة الأولى أرجح؛ لأن فيها العمل بالخبر والقياس معًا؛ لأنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله، دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره، وهم لا يَكتفون فيما لا يُعْفَى عنه من الدم بالفرك.