للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: فعلى هذا فالضمير في قوله: "تنضحه" يعود على الثوب، بخلاف "تَحُتُّه" فإنه يعود على الدم، فيلزم منه اختلاف الضمائر، وهو على خلاف الأصل، ثم إن الرّشّ على المشكوك فيه لا يفيد شيئًا؛ لأنه إن كان طاهرًا فلا حاجة إليه، وإن كان متنجسًا لم يطهر بذلك، فالأحسن ما قاله الخطابيّ. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تعقّب العينيّ هذا الكلام، فقال: الأحسن ما قاله القرطبيّ؛ لأنه يلزم التكرار من قول الخطّابيّ بلا فائدة؛ لأنا ذكرنا أن الحتّ هو الفرك، والقرص هو الدلك بأطراف الأصابع مع صبّ الماء عليه حتى يذهب أثره؛ لما نقلناه عن القاضي عياض، ففُهِم الغسل من لفظة القَرْص، فإذا قلنا: الرشّ بمعنى الغسل يلزم التكرار.

وقال أيضًا: الرشّ هنا لإزالة الشكّ المتردّد في الخاطر، كما جاء في رشّ المتوضّئ الماء على سراويله بعد فراغه من الوضوء، وليس معناه على الوجه الذي ذكرناه، فافهم. انتهى تعقّبه (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن ما قاله الخطّابي أولى - كما قال الحافظ -؛ لأن المراد بالقرص بالماء هو تحليل الدم حتى يخرج ما تشرّبه الثوب منه، ثم يغسل بعده، وهو معنى "تنضحه"، فيكون أبلغ في التنظيف.

والحاصل أن المراد بقوله: "تحتّه" الفرك يابسًا، وبقوله: "تقرصه بالماء" الدلكُ مع صبّ الماء ليتحلّل، وبقوله: "تنضحه" الغسلُ غسلًا تامًّا حتى يتحقّق زوال أثره بالكلّيّة.

وقد اختلفت الروايات في هذا، ففي بعضها: "الْحَتّ، ثم القرص، ثم الرشّ"، وفي بعضها: "الْقَرْصُ، ثم الغسل"، وفي بعضها: "الحكّ، ثم الغسل بماء وسِدْر".

ولا تنافي بين هذه الروايات؛ لأن القصود بذلك المبالغة في الإزالة، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ١/ ٣٩٥.
(٢) راجع: "عمدة القاري" ٣/ ٢٠٩.