للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعده وقوله في النعلين: "ثم ليدلكهما بالتراب، فإن التراب لهما طَهُور". انتهى كلامه - رحمه الله - (١).

وقال بعض المحقّقين المعاصرين: ومن الإنصاف القول بأن بعض المائعات، كالخلّ، والبنزين لا تنقص عن الماء في إزالة آثار النجاسة، بل تزيد عليه، وحيث كان القصد الإنقاء، وإزالة عين النجاسة - طعمها، وريحها، ولونها - وسال المائع وعُصِر، فإنه يُلحق بالماء. نعم، الماء أصل في التطهير؛ لوصفه بذلك في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور"، فهو يُطهّر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها، وقد يتعيّن غيره مطهّرًا، كالدباغ في جلود الميتة مثلًا، لكن كونه أصلًا لا يمنع قيام غيره مقامه إذا أدّى مؤدّاه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تحصّل مما سبق أن الماء هو الأصل في إزالة النجاسة مطلقًا، لكن ورد في طهارة بعض النجاسة استعمال غير الماء فيه، فإيجاب استعمال الماء في ذلك تنطّعٌ، وسلوك مسلك غير الإنصاف.

والحاصل أن استعمال الماء في إزالة جميع أنواع النجاسات هو الأصل، وما ورد فيه تعيين تطهيره بغير الماء مثل الدباغ يتعيّن فيه ذلك، ولا يجوز تطهيره بالماء، وما ورد التخفيف في إزالته بغير الماء، كمسح النعلين من الأذى، فجائز استعمال الماء فيه، كما يجوز الاكتفاء بما ورد فيه من المسح أو غيره، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج - رحمه الله - المذكور أولَ الكتاب قال:

[٦٨٢] ( … ) - (وَحَدثنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ (ح)، وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِر، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ (٣)، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ


(١) راجع: "أحكام الطهارة" ص ٣٥ - ٣٦.
(٢) راجع: "فتح المنعم" ٢/ ٢٦١.
(٣) وفي نسخة: "أخبرني عبد الله بن وهب".