للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال العلامة الشوكانيّ - رحمه الله - بعد ذكر ما تقدّم: والحق أن الماء أصل في التطهير؛ لوصفه بذلك كتابًا وسنةً وصفًا مطلقًا غير مقيد، لكن القول بتعيّنه، وعدم إجزاء غيره يرُدّه حديث مسح النعل، وفرك المنيّ وحتّه، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثيرٌ، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير في الماء، ومجرد الأمر به في بعض النجاسات لا يستلزم الأمر به مطلقًا، وغايته تعيّنه في ذلك المنصوص بخصوصه إن سُلم.

فالإنصاف أن يقال: إنه يُطَهَّر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النصّ، إن كان فيه إحالة على فرد من أفراد المطهرات، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء، فلا يجوز العدول إلى غيره؛ للمزية التي اختَصَّ بها، وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وُجِد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات، بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم؛ لحصول الامتثال به بالقطع، وغيرُه مشكوك فيه، وهذه طريقة متوسطة بين القولين، لا محيص عن سلوكها.

[فإن قلت]: مجرد وصف الماء بمطلق الطهورية لا يوجب له المزية، فإن التراب يشاركه في ذلك.

[قلت]: وصف التراب بالطهورية مُقَيَّد بعدم وجدان الماء بنص القرآن، فلا مشاركة بذلك الاعتبار. انتهى كلام الشوكانيّ - رحمه الله -.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الشوكانيّ تحقيقٌ جيّد، لكن تمثيله بفرك المنّي، وحَتّه مبنيّ على ما رجّحه هو من أن المنيّ نجسٌ، وقد سبق ترجيح القول بطهارته، فلا تكن من الغافلين.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله -: أصل التطهير بالماء، وأما تعيّنه، وعدم إجزاء غيره، فيَحتاج إلى دليل، ولم يَرِد دليلٌ يَقضي بحصر التطهير بالماء، ومجرّد الأمر به لا يستلزم الأمر به مطلقًا، فقد أذن الله بالإزالة بغير الماء في مواضع، منها الاستجمار، ومنها قوله في ذيل المرأة: "يطهّره ما