للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ غَرَسَ) أي غَرَزَ بالزاي، كما في رواية للبخاريّ، وفي رواية له: "فَوَضَعَ"، والأول أخصّ (عَلَى هَذَا) القبر (وَاحِدًا) من الشقّين (وَعَلَى هَذَا) القبر الثاني (وَاحِدًا) منهما، وموضع الْغَرْس كان بإزاء الرأس؛ لما وقع في "مسند عبد بن حُميد" من طريق عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش: "ثم غرز عند رأس كلّ منهما قِطْعَةً"، قاله في "الفتح" (١).

(ثمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - بعد غرسه لَمّا قيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ كما في رواية للبخاريّ ("لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ) بضم أوله، وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول، ونائب فاعله ضمير العذاب (عَنْهُمَا) أي عن المقبورين.

قال ابن مالك رحمه اللهُ (٢): يجوز كون الهاء من "لعلّه" ضمير الشأن، وجاز تفسير ضمير الشأن بـ"أَنْ وصِلَتها" مع أنها في تقدير مصدر؛ لأنها في حكم جملةٍ؛ لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ولذلك سدّت مسدّ مطلوبي "حسب"، و"عسى" في نحو {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [آل عمران: ١٤٢]، وفي {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا} [البقرة: ٢١٦].

ويجوز في قول الأخفش أن تكون "أن" زائدةً مع كونها ناصبةً، ونظيرها زيادة الباء، و"من" مع كونهما جارّتين، ومن تفسير ضمير الشأن بـ"أن وصلتها" قول عمر - رضي الله عنه -: "والله ما هو إلا أن سمعتُ أبا بكر تلاها، فَعُقِرتُ حتى ما تُقلّني رجلاي"، متّفقٌ عليه. انتهى كلام ابن مالك رحمه اللهُ (٣).


(١) ١/ ٢٨٢.
(٢) نقل الطيبيّ، ثم منه العينيّ كلام ابن مالك هذا بما نصّه: الرواية "يُخفّف عنها" على التوحيد، والتأنيث، وهو ضمير النفس، فيجوز إعادة الضمير في: "لعله" و"عنها" إلى الميت باعتبار كونه إنسانًا، وكونه نفسًا، ويجوز كون الهاء في: "لعله" ضمير الشأن، وفي: "عنها" للنفس، وجاز تفسير الشأن إلى آخر كلام ابن مالك الذي ذكرته، وفي هذا نظر من وجهين:
أحدهما: أن هذا النصّ لا وجود له في كتاب ابن مالك "شواهد التوضيح" وإنما الموجود فيه ما نقلته هنا.
الثاني: أن الرواية بإفراد ضمير "عنها" لا وجود له في نسخ "صحيح البخاري"، ولا أشار إليه أحد من شرّاحه، فالظاهر أنه لا صحّة له نقلًا، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم.
(٣) "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح" ص ١٤٩ - ١٥٠.